فصل: بَابُ اخْتِلاَفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَإِذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لاَ أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***


بَابُ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ وَاحِدٌ، وَقَالَ قَامَتْ عَلَيَّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ أَخْطَأْت وَلَكِنَّهَا قَامَتْ عَلَيَّ بِتِسْعِينَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ لِلْمُشْتَرِي بِرَأْسِ مَالِهَا وَبِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنْ قَالَ‏:‏ ثَمَنُهَا أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهَا وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ خَانَهُ حَطَطْت الْخِيَانَةَ وَحِصَّتَهَا مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ وَلَمْ أُفْسِدْ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى مُحَرَّمٍ عَلَيْهِمَا مَعًا إنَّمَا، وَقَعَ مُحَرَّمًا عَلَى الْخَائِنِ مِنْهُمَا كَمَا يُدَلَّسُ لَهُ بِالْعَيْبِ فَيَكُونُ التَّدْلِيسُ مُحَرَّمًا وَمَا أُخِذَ مِنْ ثَمَنِهِ مُحَرَّمًا وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ الْخِيَارُ‏.‏

بَابُ الرَّجُلِ يَبِيعُ الشَّيْءَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ إلَى أَجَلٍ وَيَشْتَرِيَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ، وَإِلَى أَجَلٍ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عَائِشَةَ فَسَأَلَتْهَا عَنْ بَيْعٍ بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِكَذَا وَكَذَا إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِئْسَمَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَمَا ابْتَعْت أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنْ يَتُوبَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ مُجْمَلٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا فَقَدْ تَكُونُ عَائِشَةُ عَابَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَزَيْدٌ صَحَابِيٌّ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فَمَذْهَبُنَا الْقِيَاسُ وَهُوَ مَعَ زَيْدٍ وَنَحْنُ لاَ نُثْبِتُ مِثْلَ هَذَا عَلَى عَائِشَةَ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ السِّلْعَةُ لِي كَسَائِرِ مَالِي لِمَ لاَ أَبِيعُ مِلْكِي بِمَا شِئْت وَشَاءَ الْمُشْتَرِي‏.‏

بَابُ تَفْرِيقِ صِفَةِ الْبَيْعِ وَجَمْعِهَا

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَجَمْعِهَا وَبَيَّضْت لَهُ مَوْضِعًا لِأَجْمَعَ فِيهِ شَرْحَ أَوْلَى قَوْلَيْهِ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى‏:‏ وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا، وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الثَّوْبِ فَقَالَ الْبَائِعُ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قَدْ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ أَرَادَ رَدَّ الثَّوْبِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْعَيْبِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَلاَ يُعْطِيهِ بِقَوْلِهِ الزِّيَادَةَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ‏:‏ إنَّهُ كَالْبَيْعِ، وَقَالَ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إنْ صَالَحَهُ مِنْ دَارٍ بِمِائَةٍ وَبِعَبْدٍ ثَمَنُهُ مِائَةٌ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ رَدَّ الْعَبْدَ وَأَخَذَ الْمِائَةَ بِنِصْفِ الصُّلْحِ وَيَسْتَرِدُّ نِصْفَ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ‏.‏ وَقَالَ فِي نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَفِي كِتَابِ الشُّرُوطِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَاسْتَحَقَّ نِصْفَهُ إنْ شَاءَ رَدَّ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ‏.‏ وَقَالَ فِي الشُّفْعَةِ‏:‏ إنْ اشْتَرَى شِقْصًا وَعَرْضًا صَفْقَةً وَاحِدَةً أُخِذَتْ الشُّفْعَةُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ‏:‏ وَإِذَا صَرَفَ دِينَارًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَبَضَ تِسْعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَلَمْ يَجِدْ دِرْهَمًا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ التِّسْعَةَ عَشَرَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الدِّينَارِ ويتناقضه الْبَيْعَ بِحِصَّةِ الدِّرْهَمِ ثُمَّ إنْ شَاءَ اشْتَرَى مِنْهُ بِحِصَّةِ الدِّينَارِ مَا شَاءَ يَتَقَابَضَانِهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا مَتَى شَاءَ أَخَذَهُ‏.‏ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْجَدِيدِ الْأَوَّلِ‏:‏ لَوْ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِينَارٍ مِائَةَ صَاعِ تَمْرٍ وَمِائَةَ صَاعِ حِنْطَةٍ وَمِائَةَ صَاعِ شَعِيرٍ جَازَ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا بِقِيمَتِهِ مِنْ الْمِائَةِ، وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ‏:‏ وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ بَرْدِيًّا وَعَجْوَةً بِعَشَرَةٍ وَقِيمَةُ الْبَرْدِيِّ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ وَقِيمَةُ الْعَجْوَةِ سُدُسُ الْعَشَرَةِ فَالْبَرْدِيُّ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ وَالْعَجْوَةُ بِسُدُسِ الثَّمَنِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ فِي الْإِمْلاَءِ لاَ يَجُوزُ ذَهَبٌ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ بِذَهَبٍ وَسَطٍ وَلاَ تَمْرٌ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ بِتَمْرٍ وَسَطٍ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفَيْنِ حِصَّةً فِي الْقِيمَةِ فَيَكُونُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مَجْهُولاً وَبِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي مِائَةِ صَاعِ تَمْرٍ وَمِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ‏.‏ وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ‏:‏ إنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ‏.‏ وَقَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ‏:‏ لَوْ ابْتَاعَ غَنَمًا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ الْمُصَّدِّقُ الصَّدَقَةَ مِنْهَا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ كَمَا اشْتَرَى كَامِلاً أَوْ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ إنْ أَسْلَفَ فِي رُطَبٍ فَنَفِدَ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ إلَى قَابِلٍ‏.‏ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ‏:‏ وَلَوْ أَصْدَقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَلْفًا قُسِمَتْ عَلَى مُهُورِهِنَّ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ كَانَ الْخِيَارُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَهُ وَالرُّجُوعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ أَوْ الرَّدُّ‏.‏ قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله‏:‏ فَأَمَّا قِيمَةُ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْعَبْدِ فَهَذَا غَلَطٌ فِي مَعْنَاهُ وَكَيْفَ تَأْخُذُ قِيمَةَ مَا لَمْ تَمْلِكْهُ قَطُّ‏؟‏ بَلْ قِيَاسُ قَوْلِهِ هَذَا تَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا‏.‏ وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ عَلَى الْمُوَطَّإِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ جَارِيَتَيْنِ فَأَصَابَ بِإِحْدَاهُمَا عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ أَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلاَ تُرَدُّ إلَّا مَعًا كَمَا يَكُونُ لَهُ لَوْ بِيعَ مِنْ دَارٍ أَلْفُ سَهْمٍ وَهُوَ شَفِيعُهَا أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ السُّهْمَانِ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا مَنَعْت أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَنَّهُ وَقَعَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بَعْدُ وَأَيُّ شَيْءٍ عَقَدَاهُ بِرِضَاهُمَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ كَانَ فَاسِدًا لاَ يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ أَشْتَرِي مِنْك الْجَارِيَةَ بِهَاتَيْنِ الْجَارِيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِقِيمَتِهَا مِنْهَا وَلَوْ سَمَّيْت أَيَّتَهمَا أَرْفَعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ، وَقَالَ فَإِنْ فَاتَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ بِمَوْتٍ أَوْ بِوِلاَدَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الَّتِي بِعَيْبٍ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ الْجَارِيَةِ كَانَتْ قِيمَةُ الَّتِي فَاتَتْ عِشْرِينَ وَاَلَّتِي بَقِيَتْ ثَلاَثِينَ وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا خَمْسُونَ فَصَارَ حِصَّةُ الْمَعِيبَةِ مِنْ الْجَارِيَةِ ثَلاَثَةَ أَخْمَاسِهَا وَكَانَ الْعَيْبُ يُنْقِصُهَا الْعُشْرَ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ ثَلاَثَةٌ‏.‏ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِمْلاَءِ عَلَى الْمُوَطَّإِ وَلَوْ صَرَفَ الدِّينَارَ بِالدَّرَاهِمِ فَوَجَدَ مِنْهَا زَائِفًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ وَرَدِّهِ وَيَنْقُضُ الصَّرْفَ؛ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ فَإِنْ كَانَ الدِّرْهَمُ زَائِفًا مِنْ قِبَلِ السِّكَّةِ أَوْ قُبْحِ الْفِضَّةِ فَلاَ بَأْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يَقْبَلَهُ فَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ الصَّرْفَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ زَافَ عَلَى أَنَّهُ نُحَاسٌ أَوْ تِبْرٌ غَيْرُ فِضَّةٍ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ الْمَجْمُوعَةِ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَلاَ وَرِقٍ بِوَرِقٍ وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ فَإِنْ تَفَرَّقَا مِنْ مَقَامِهِمَا وَبَقِيَ قِبَلَ أَحَدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ فَسَدَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ إنَّهُ كَالْبَيْعِ فَإِنْ صَالَحَهُ مِنْ دَارٍ بِمِائَةٍ وَبِعَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَأَصَابَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُضَ الصُّلْحَ كُلَّهُ أَوْ يُجِيزَهُ مَعًا، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ انْتَقَضَ الصُّلْحُ كُلُّهُ، وَقَالَ فِي الصَّدَاقِ فَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْبَيْعِ لَمْ أَرُدَّ الْبَاقِيَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ نِصْفُهُ عَبْدٌ وَنِصْفُهُ حُرٌّ كَانَ فِي مَعْنَى مَنْ بَاعَ مَا يَمْلِكُ وَمَا لاَ يَمْلِكُ وَفَسَدَتْ الْكِتَابَةُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَهَذَا كُلُّهُ مَنْعُ تَفْرِيقِ صَفْقَةٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ فَإِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ تَنَافَيَا، وَكَانَا كُلًّا مَعْنًى، وَكَانَ أَوْلاَهُمَا بِهِ مَا أَشْبَهَ قَوْلَهُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْمُزَنِيّ رحمه الله أَنَّهُ يَخْتَارُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَيَرَاهُ أَوْلَى قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ‏.‏

بَابُ اخْتِلاَفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَإِذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لاَ أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ ‏{‏أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تَبَايَعَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ‏{‏قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ فَإِذَا تَبَايَعَا عَبْدًا فَقَالَ الْبَائِعُ بِأَلْفٍ وَالْمُشْتَرِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْبَائِعُ يَدَّعِي فَضْلَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي السِّلْعَةَ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَيَتَحَالَفَانِ فَإِذَا حَلَفَا مَعًا قِيلَ لِلْمُشْتَرِي‏:‏ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِهِ بِأَلْفٍ أَوْ رَدِّهِ وَلاَ يَلْزَمُك مَا لاَ تُقِرُّ بِهِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ صَاحِبُهُ حُكِمَ لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمَا مُتَصَادِقَانِ عَلَى الْبَيْعِ وَمُخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ بِنَقْضِ الْبَيْعِ وَوَجَدْنَا الْفَائِتَ فِي كُلِّ مَا نَقَضَ فِيهِ الْقَائِمُ مُنْتَقَضًا فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ فَائِتًا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ يَقُولُ صَارَا فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَبَايَعْ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ عَبْدَهُ قَائِمًا أَوْ قِيمَتَهُ مُتْلَفًا‏.‏

قَالَ‏:‏ فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى مَا قُلْنَا وَخَالَفَ صَاحِبَيْهِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ لاَ أَعْلَمُ مَا قَالاَ إلَّا خِلاَفَ الْقِيَاسِ وَالسُّنَّةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالْمَعْقُولُ إذَا تَنَاقَضَاهُ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَنَاقَضَاهُ وَهِيَ فَائِتَةٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ فَقَائِمٌ وَفَائِتٌ وَسَوَاءٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفَا، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لاَ أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ فَاَلَّذِي أَحَبَّ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَقَاوِيلَ وَصَفَهَا أَنْ يُؤْمَرَ الْبَائِعُ بِدَفْعِ السِّلْعَةِ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ مِنْ سَاعَتِهِ فَإِنْ غَابَ وَلَهُ مَالٌ أَشْهَدَ عَلَى وَقْفِ مَالِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى وَقْفِ السِّلْعَةِ فَإِذَا دَفَعَ أُطْلِقَ عَنْهُ الْوَقْفُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَهَذَا مُفْلِسٌ وَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ وَلاَ يَدَعُ النَّاسَ يَتَمَانَعُونَ الْحُقُوقَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا أَوْ ذَهَبًا بِعَيْنِهِ فَتَلِفَ مِنْ يَدَيْ الْمُشْتَرِي أَوْ تَلِفَتْ السِّلْعَةُ مَعَ يَدَيْ الْبَائِعِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ أُحِبُّ مُبَايَعَةَ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ مِنْ رِبًا أَوْ مِنْ حَرَامٍ وَلاَ أَفْسَخُ الْبَيْعَ لِإِمْكَانِ الْحَلاَلِ فِيهِ‏.‏

بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنْ لاَ يَبِيعَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لاَ خَسَارَةَ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَوْ قَبَضَهَا فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجُزْ عِتْقُهَا، وَإِنْ أَوْلَدَهَا رُدَّتْ إلَى رَبِّهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهِ يَوْمَ خَرَجَ مِنْهَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ بَاعَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ حَتَّى تُرَدَّ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْفَاسِدِ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا وَاشْتَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ حَصَادَهُ كَانَ فَاسِدًا‏.‏ وَلَوْ قَالَ بِعْنِي هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ إرْدَبٍّ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي إرْدَبًّا أَوْ أُنْقِصُك إرْدَبًّا كَانَ فَاسِدًا وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَالْبَيْعُ فِيهِ فَاسِدٌ وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي بَيْعِ السَّمْنِ أَنْ يَزِنَهُ بِظُرُوفِهِ مَا جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ وَزْنَ الظُّرُوفِ جَازَ‏.‏ وَلَوْ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْبَيْعِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَسَدَ الْبَيْعُ‏.‏

بَابُ بَيْعِ الْغَرَرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ‏}‏ قَالَ ‏{‏وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ عَسْبِ الْفَحْلِ‏}‏ وَلاَ يَجُوزُ بِحَالٍ وَمِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ عِنْدَنَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك وَبَيْعُ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالطَّيْرِ وَالْحُوتِ قَبْلَ أَنْ يُصَادَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَبْدًا لِرَجُلٍ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ أَجَازَهُ السَّيِّدُ أَوْ لَمْ يُجِزْهُ كَمَا اشْتَرَى آبِقًا فَوَجَدَهُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى فَسَادٍ إذْ لَمْ يَدْرِ أَيَجِدُهُ أَوْ لاَ يَجِدُهُ وَكَذَلِكَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لاَ يَدْرِي أَيُجِيزُهُ الْمَالِكُ أَوْ لاَ يُجِيزُهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ لَمْ يَجُزْ لِجَهْلِهِ بِالْأَذْرُعِ وَلَوْ عَلِمَا ذَرْعَهَا فَاشْتَرَى مِنْهَا أَذْرُعًا مُشَاعَةً جَازَ وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْرَهُ بَيْعَ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَاللَّبَنِ فِي ضُرُوعِهَا إلَّا بِكَيْلٍ وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى كَمَا وَزْنُهُ مِنْ وَزْنِ جُلُودِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إذَا رَآهُ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا جُزَافًا‏.‏

بَابُ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَالْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَشِرَاءِ الْأَعْمَى

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ‏}‏ وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةَ ثُمَّ تُنْتِجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا عَقَدَا الْبَيْعَ عَلَى هَذَا فَمَفْسُوخٌ لِلْجَهْلِ بِوَقْتِهِ، وَقَدْ لاَ تُنْتِجُ أَبَدًا‏.‏

وَقَدْ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ‏}‏ وَالْمُلاَمَسَةُ عِنْدَنَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ مَطْوِيًّا فَيَلْمِسهُ الْمُشْتَرِي أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَقُولُ رَبُّ الثَّوْبِ أَبِيعُك هَذَا عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْبَيْعُ فَنَظَرُك إلَيْهِ اللَّمْسُ لاَ خِيَارَ لَك إذَا نَظَرْت إلَى جَوْفِهِ أَوْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ‏.‏ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ أَنْبِذَ إلَيْك ثَوْبِي وَتَنْبِذَ إلَيَّ ثَوْبَك عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَلاَ خِيَارَ إذَا عَرَفْنَا الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَكَذَلِكَ أَنْبِذُهُ إلَيْك بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَعْمَى، وَإِنْ ذَاقَ مَا لَهُ طَعْمٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فِي الثَّمَنِ بِاللَّوْنِ إلَّا فِي السَّلَمِ بِالصِّفَةِ، وَإِذَا وَكَّلَ بَصِيرًا يَقْبِضُ لَهُ عَلَى الصِّفَةِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِلَفْظَةِ الْأَعْمَى الَّذِي عَرَفَ الْأَلْوَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَى فَأَمَّا مَنْ خُلِقَ أَعْمَى فَلاَ مَعْرِفَةَ لَهُ بِالْأَلْوَانِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ اشْتَرَى مَا يَعْرِفُ طَعْمَهُ وَيَجْهَلُ لَوْنَهُ وَهُوَ يُفْسِدُهُ فَتَفَهَّمْهُ وَلاَ تغلط عَلَيْهِ‏.‏

بَابُ الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمَجْهُولِ وَبَيْعِ النَّجْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُمَا وَجْهَانِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ قَدْ وَجَبَ لَك بِأَيِّهِمَا شِئْتُ أَنَا وَشِئْتَ أَنْتَ فَهَذَا بَيْعُ الثَّمَنِ فَهُوَ مَجْهُولٌ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك بِأَلْفٍ فَإِذَا وَجَبَ لَك عَبْدِي وَجَبَتْ لِي دَارُك؛ لِأَنَّ مَا نَقَصَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا بَاعَ ازْدَادَهُ فِيمَا اشْتَرَى فَالْبَيْعُ فِي ذَلِكَ مَفْسُوخٌ‏.‏

‏{‏وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّجْشِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالنَّجْشُ خَدِيعَةُ وَلَيْسَ مِنْ أَخْلاَقِ أَهْلِ الدِّينِ وَهُوَ أَنْ يَحْضُرَ السِّلْعَةَ تُبَاعُ فَيُعْطِي بِهَا الشَّيْءَ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقْتَدِيَ بِهَا السَّوَامُّ فَيُعْطِي بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا سَوْمَهُ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَقْدُ الشِّرَاءِ نَافِذٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ النَّجْشِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لاَ يَبِعْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَيَّنَ فِي مَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَتَوَاجَبَا السِّلْعَةَ فَيَكُونَ الْمُشْتَرِي مُغْتَبِطًا أَوْ غَيْرَ نَادِمٍ فَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ مِثْلَ سِلْعَتِهِ أَوْ خَيْرًا مِنْهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَيَفْسَخُ بَيْعَ صَاحِبِهِ بِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيَكُونُ هَذَا إفْسَادٌ، وَقَدْ عَصَى اللَّهَ إذَا كَانَ بِالْحَدِيثِ عَالِمًا وَالْبَيْعُ فِيهِ لاَزِمٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَكَذَلِكَ الْمُدَلِّسُ عَصَى اللَّهَ بِهِ وَالْبَيْعُ فِيهِ لاَزِمٌ وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ حَلاَلٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الثَّمَنُ حَرَامٌ عَلَى الْمُدَلِّسِ‏.‏

بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ وَالنَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ‏}‏ وَزَادَ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنْ بَاعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ فَهُوَ عَاصٍ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَلَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ‏}‏ يَتَبَيَّنُ أَنَّ عُقْدَةَ الْبَيْعِ جَائِزَةٌ وَلَوْ كَانَتْ مَفْسُوخَةً لَمْ يَكُنْ بَيْعُ حَاضِرٍ لِبَادٍ يَمْنَعُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ فَضْلِ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْبَوَادِي إذَا قَدِمُوا بِسِلَعِهِمْ يَبِيعُونَهَا بِسُوقِ يَوْمِهِمْ لِلْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ فِي حَبْسِهَا وَاحْتِبَاسِهِمْ عَلَيْهَا وَلاَ يُعْرَفُ مِنْ قِلَّةِ سِلْعَتِهِ وَحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا مَا يَعْلَمُ الْحَاضِرُ فَيُصِيبُ النَّاسُ مِنْ بُيُوعِهِمْ رِزْقًا، وَإِذَا تَوَكَّلَ لَهُمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْمُقِيمُونَ تَرَبَّصُوا بِهَا؛ لِأَنَّهُ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْمُقَامِ بِهَا فَلَمْ يُصِبْ النَّاسُ مَا يَكُونُ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ‏.‏ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لاَ تَتَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَمِعْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ ‏{‏فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَقْدُمَ السُّوقَ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إنْ كَانَ ثَابِتًا وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارَ بَعْدَ قُدُومِ السُّوقِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهَا مِنْ الْبَدْوِيِّ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى مَوْضِعِ الْمُتَسَاوِمَيْنِ مِنْ الْغَرَرِ بِوَجْهِ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَهُ الْخِيَارُ‏.‏

بَابُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَكُونَ الْأَثْمَانُ مَعْلُومَةً وَالْبَيْعُ مَعْلُومًا فَلَمَّا كُنْتُ إذَا اشْتَرَيْتُ مِنْك دَارًا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أُسَلِّفَك مِائَةً كُنْتُ لَمْ أَشْتَرِهَا بِمِائَةٍ مُفْرَدَةٍ وَلاَ بِمِائَتَيْنِ، وَالْمِائَةُ السَّلَفُ عَارِيَّةٌ لَهُ بِهَا مَنْفَعَةٌ مَجْهُولَةٌ وَصَارَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلِّفَهُ مِائَةً عَلَى أَنْ يُقْبِضَهُ خَيْرًا مِنْهَا وَلاَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا فِي بَلَدِ كَذَا، وَلَوْ أَسْلَفَهُ إيَّاهَا بِلاَ شَرْطٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْكُرَهُ فَيَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَالٍّ فَأَخَّرَهُ بِهِ مُدَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَتَى شَاءَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ وَلاَ أَخَذَ مِنْهُ عِوَضًا فَيَلْزَمُهُ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ لاَ يَجِبُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ‏.‏

بَابُ تَصَرُّفِ الْوَصِيِّ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَّجِرَ الْوَصِيُّ بِأَمْوَالِ مَنْ يَلِي وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ قَدْ اتَّجَرَ عُمَرُ بِمَالِ يَتِيمٍ وَأَبْضَعَتْ عَائِشَةُ بِأَمْوَالِ بَنِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْبَحْرِ وَهُمْ أَيْتَامٌ تَلِيهِمْ، وَإِذَا كُنَّا نَأْمُرُ الْوَصِيَّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِ الْيَتِيمِ عَقَارًا؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ لَهُ عَقَارًا إلَّا لِغِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ‏.‏

بَابُ تَصَرُّفِ الرَّقِيقِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَدَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا كَانَ عَبْدًا وَمَتَى عَتَقَ اُتُّبِعَ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ جِنَايَةٍ وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مِنْ حِرْزِهَا يُقْطَعُ فِي مِثْلِهَا قَطَعْنَاهُ، وَإِذَا صَارَ حُرًّا أَغْرَمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ فِي يَدَيْهِ فَأَخَذْنَاهُ، وَالْآخَرُ لِلنَّاسِ فِي مَالِهِ وَلاَ مَالَ لَهُ فَأَخَّرْنَاهُ بِهِ كَالْمُعْسِرِ نُؤَخِّرُهُ بِمَا عَلَيْهِ فَإِذَا أَفَادَ أَغْرَمْنَاهُ وَلَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ‏.‏

بَابُ بَيْعِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيًا نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ بِحَالٍ وَلَوْ جَازَ ثَمَنُهُ جَازَ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ، وَلاَ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِصَاحِبِ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمْ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي حَيَاتِهِ بِيعَ وَحَلَّ ثَمَنُهُ وَقِيمَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُؤْكَلُ مِنْ ذَلِكَ الْفَهْدُ يُعَلَّمُ لِلصَّيْدِ وَالْبَازِي وَالشَّاهِينِ وَالصَّقْرُ مِنْ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَمِثْلُ الْهِرِّ وَالْحِمَارِ الْإِنْسِيِّ وَالْبَغْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ حَيًّا وَكُلُّ مَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ مِنْ وَحْشٍ مِثْلَ الْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالْبُغَاثَةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْجِرْذَانِ وَالْوَزَغَانِ وَالْخَنَافِسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَرَى- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَنْ لاَ يَجُوزَ شِرَاؤُهُ وَلاَ بَيْعُهُ وَلاَ قِيمَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ مَعْنَى لِلْمَنْفَعَةِ فِيهِ حَيًّا وَلاَ مَذْبُوحًا فَثَمَنُهُ كَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ‏.‏

بَابُ السَّلَمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَوْ ابْنِ كَثِيرٍ الشَّكُّ مِنْ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَرُبَّمَا قَالَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسَلِّفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَدْ أَذِنَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- فِي الرَّهْنِ وَالسَّلَمِ فَلاَ بَأْسَ بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا جَازَ السَّلَمُ فِي التَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالتَّمْرُ قَدْ يَكُونُ رُطَبًا فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَجَازَ الرُّطَبَ سَلَفًا مَضْمُونًا فِي غَيْرِ حِينِهِ الَّذِي يَطِيبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَفَ سَنَتَيْنِ كَانَ فِي بَعْضِهَا فِي غَيْرِ حِينِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ فُقِدَ الرُّطَبُ أَوْ الْعِنَبُ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أَسْلَفَهُ فِيهِ قِيلَ الْمُسَلِّفُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا بَقِيَ مِنْ سَلَفِهِ بِحِصَّتِهِ أَوْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلَى رُطَبٍ قَابِلٍ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِحِصَّتِهِ ‏{‏وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَكِيمًا عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ‏}‏ وَأَجَازَ السَّلَفَ فَدَلَّ أَنَّهُ نَهَى حَكِيمًا عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا وَذَلِكَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ فَإِذَا أَجَازَهُ صلى الله عليه وسلم بِصِفَةٍ مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ كَانَ حَالًّا أَجْوَزَ وَمِنْ الْغَرَرِ أَبْعَدَ فَأَجَازَهُ عَطَاءٌ حَالًّا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا وَاَلَّذِي اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ أَنْ لاَ يُسَلَّفَ جُزَافًا مِنْ ثِيَابٍ وَلاَ غَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا حَتَّى يَصِفَهُ بِوَزْنِهِ وَسِكَّتِهِ وَبِأَنَّهُ وَضَحٌ أَوْ أَسْوَدُ كَمَا يَصِفُ مَا أَسْلَمَ فِيهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا‏:‏ فَقَدْ أَجَازَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنْ يَدْفَعَ سِلْعَتَهُ غَيْرَ مَكِيلَةٍ وَلاَ مَوْزُونَةٍ فِي سَلَمٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ وَاَلَّذِي احْتَجَّ بِهِ فِي تَجْوِيزِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَسَلَّفَ بِكْرًا فَصَارَ بِهِ عَلَيْهِ حَيَوَانًا مَضْمُونًا‏}‏ وَأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه بَاعَ جَمَلاً بِعِشْرِينَ جَمَلاً إلَى أَجَلٍ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ إلَى أَجَلٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا‏:‏ وَهَذَا مِنْ الْجُزَافِ الْعَاجِلِ فِي الْمَوْصُوفِ الْآجِلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرَا فِي السَّلَمِ أَجَلاً فَذَكَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَلَوْ أَوْجَبَاهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَجُزْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ فِي السَّلَفِ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ قَبْلَ يُفَارِقُهُ وَيَكُونَ مَا سَلَّفَ فِيهِ مَوْصُوفًا، وَإِنْ كَانَ مَا سَلَّفَ فِيهِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ جَازَ قَالَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏ فَلَمْ يَجْعَلْ لِأَهْلِ الْإِسْلاَمِ عِلْمًا إلَّا بِهَا فَلاَ يَجُوزُ إلَى الْحَصَادِ وَالْعَطَاءِ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ وَتَقْدِيمِهِ وَلاَ إلَى فَصْحِ النَّصَارَى وَقَدْ يَكُونُ عَامًا فِي شَهْرٍ وَعَامًا فِي غَيْرِهِ عَلَى حِسَابٍ يُنْسِئُونَ فِيهِ أَيَّامًا فَلَوْ أَجَزْنَاهُ كُنَّا قَدْ عَمِلْنَا فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ النَّصَارَى وَهَذَا غَيْرُ حَلاَلٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ أَجَلُهُ إلَى يَوْمِ كَذَا فَحَتَّى يَطْلُعَ فَجْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ مَا سَلَّفَ فِيهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ سَمَّيَا مِكْيَالاً مَعْرُوفًا عَنْ الْعَامَّةِ وَيَكُونُ الْمُسَلَّفُ فِيهِ مَأْمُونًا فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ كَانَ تَمْرًا قَالَ صَيْحَانِيٌّ أَوْ بَرْدِيٌّ أَوْ كَذَا، وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً قَالَ شَامِيَّةٌ أَوْ ميسانية أَوْ كَذَا، وَإِنْ كَانَ يَخْلُفُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بالحدارة وَالرِّقَّةِ وَصَفَا مَا يَضْبِطَانِهِ بِهِ، وَقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ‏:‏ جَيِّدًا وَأَجَلاً مَعْلُومًا أَوْ قَالَ حَالًّا وَعَتِيقًا مِنْ الطَّعَامِ أَوْ جَدِيدًا، وَأَنْ يَصِفَ ذَلِكَ بِحَصَادِ عَامِ كَذَا مُسَمًّى أَصَحُّ وَيَكُونُ الْمَوْضِعُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُسْتَغْنَى فِي الْعَسَلِ مِنْ أَنْ يَصِفَهُ بِبَيَاضٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ خُضْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَايَنُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ اشْتَرَطَا أَجْوَدَ الطَّعَامِ أَوْ أَرْدَأَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُوقَفُ عَلَيْهِ‏.‏

وَلَوْ كَانَ مَا أَسْلَفَ فِيهِ رَقِيقًا قَالَ‏:‏ عَبْدًا نَوْبِيًّا خُمَاسِيًّا أَوْ سُدَاسِيًّا أَوْ مُحْتَلِمًا وَوَصَفَ سِنَّهُ وَأَسْوَدُ هُوَ أَوْ وَضِيءٌ أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ أَوْ أَسْحَمُ‏.‏ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً وَصَفَهَا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَهَا وَلَدَهَا وَلاَ أَنَّهَا حُبْلَى، وَإِنْ كَانَ فِي بَعِيرٍ قَالَ‏:‏ مِنْ نَعَمِ بَنِي فُلاَن مِنْ ثَنِيٍّ غَيْرِ مُودَنٍ نَقِيٌّ مِنْ الْعُيُوبِ سَبْطُ الْخَلْقِ أَحْمَرُ مَجْفَرُ الْجَنْبَيْنِ رُبَاعُ أَوْ قَالَ بَازِلٌ، وَهَكَذَا الدَّوَابُّ يَصِفُهَا بِنِتَاجِهَا وَجِنْسِهَا وَأَلْوَانِهَا وَأَسْنَانِهَا وَيَصِفُ الثِّيَابَ بِالْجِنْسِ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ وَشْيٍ إسْكَنْدَرَانِيٍّ أَوْ يَمَانِيٍّ وَنَسْجِ بَلَدِهِ وَذَرْعِهِ مِنْ عَرْضٍ وَطُولٍ أَوْ صَفَّافَةٍ أَوْ دِقَّةٍ أَوْ جَوْدَةٍ‏.‏ وَهَكَذَا النُّحَاسُ يَصِفُهُ أَبْيَضَ أَوْ شَبَهً أَوْ أَحْمَرَ وَيَصِفُ الْعَبِيدَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَبِجِنْسٍ إنْ كَانَ لَهُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ وَإِنْ كَانَ فِي لَحْمٍ قَالَ لَحْمُ مَاعِزٍ ذَكَرٌ خَصِيٌّ أَوْ غَيْرُ خَصِيٍّ أَوْ لَحْمُ مَاعِزَةٍ ثَنِيَّةٌ أَوْ ثَنِيٌّ أَوْ جَذَعٌ رَضِيعٌ أَوْ فَطِيمٌ وَسَمِينٌ أَوْ مُنَقًّى مِنْ فَخِذٍ أَوْ يَدٍ وَيَشْتَرِطُ الْوَزْنَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَيَقُولُ فِي لَحْمِ الْبَعِيرِ خَاصَّةً بَعِيرٌ رَاعٍ مِنْ قِبَلِ اخْتِلاَفِ لَحْمِ الرَّاعِي وَلَحْمِ الْمَعْلُوفِ، وَأَكْرَهُ اشْتِرَاطَ الْأَعْجَفِ وَالْمَشْوِيِّ وَالْمَطْبُوخِ‏.‏ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي لُحُومِ الصَّيْدِ إذَا كَانَتْ بِبَلَدٍ لاَ تَخْتَلِفُ وَيَقُولُ فِي السَّمْنِ‏:‏ سَمْنُ مَاعِزٍ أَوْ ضَأْنٍ أَوْ بَقَرٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا شَيْءٌ يَخْتَلِفُ بِبَلَدٍ سَمَّاهُ وَيَصِفُ اللَّبَنَ كَالسَّمْنِ فَإِنْ كَانَ لَبَنَ إبِلٍ قَالَ‏:‏ لَبَنُ عُودٍ أَوْ أَوْارَكٍ أَوْ حَمْضِيَّةٍ وَيَقُولُ رَاعِيَةٌ أَوْ مَعْلُوفَةٌ لِاخْتِلاَفِ أَلْبَانِهَا فِي الثَّمَنِ وَالصِّحَّةِ وَيَقُولُ حَلِيبُ يَوْمِهِ وَلاَ يُسَلِّفُ فِي اللَّبَنِ الْمَخِيضِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَاءً وَهَكَذَا كُلُّ مُخْتَلِطٍ بِغَيْرِهِ لاَ يُعْرَفُ أَوْ مُصْلَحٍ بِغَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ يَدْخُلُ فِي هَذَا الطِّيبُ الْغَالِيَةُ وَالْأَدْهَانُ الْمُرَبِّبَةُ وَنَحْوُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُسَمِّيَ لَبَنًا حَامِضًا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ حُمُوضَتِهِ زِيَادَةُ نَقْصٍ، وَيُوصَفُ اللِّبَأُ كَاللَّبَنِ إلَّا أَنَّهُ مَوْزُونٌ وَيَقُولُ فِي الصُّوفِ صُوفُ ضَأْنِ بَلَدِ كَذَا لِاخْتِلاَفِهِ فِي الْبُلْدَانِ وَيُسَمِّي لَوْنًا لِاخْتِلاَفِ أَلْوَانِهَا، وَيَقُولُ جَيِّدًا نَقِيًّا وَمَغْسُولاً لِمَا يَعْلَقُ بِهِ فَيَثْقُلُ فَيُسَمِّي قِصَارًا أَوْ طِوَالاً بِوَزْنٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ صُوفُ فُحُولِهَا مِنْ غَيْرِهَا وَصْفًا مَا يَخْتَلِفُ وَكَذَلِكَ الْوَبَرُ وَالشَّعْرُ وَيَقُولُ فِي الْكُرْسُفِ‏:‏ كُرْسُفُ بَلَدِ كَذَا وَيَقُولُ جَيِّدًا أَبْيَضَ نَقِيًّا أَوْ أَسْمَرَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدِيمُهُ وَجَدِيدُهُ سَمَّاهُ، وَإِنْ كَانَ يَكُونُ نَدِيًّا سَمَّاهُ جَافًّا بِوَزْنٍ‏.‏ قَالَ إبْرَاهِيمُ‏:‏ وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ وَلاَ يَجُوزُ السَّلَفُ فِيهَا حَتَّى يُسَمِّيَ أَخْضَرَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ زبيريا أَوْ سِيلاَنِيًّا وَبِأَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ عِرْقٌ وَلاَ كُلِّي وَيَقُولُ فِي الْحَطَبِ سُمْرٌ أَوْ سَلَمٌ أَوْ حَمْضٌ أَوْ أَرَاكٌ أَوْ عَرْعَرٌ وَيَقُولُ فِي عِيدَانِ الْقِسِيِّ عُودُ شَوْحَطَةٍ جَدْلٌ مُسْتَوِي الْبِنْيَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي الشَّيْءِ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ وَزْنًا، وَيُسَلِّفُ فِي لَحْمِ الطَّيْرِ بِصِفَةٍ وَوَزْنٍ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ سِنَّ لَهُ يَعْنِي يُعْرَفُ فَيُوصَفُ بِصَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَمَا احْتَمَلَ أَنْ يُبَاعَ مُبَعَّضًا وُصِفَ مَوْضِعُهُ، وَكَذَلِكَ الْحِيتَانُ وَمَا ضُبِطَتْ صِفَتُهُ مِنْ خَشَبِ سَاجٍ أَوْ عِيدَانِ قِسِيٍّ مِنْ طُولٍ أَوْ عَرْضٍ جَازَ فِيهِ السَّلَمُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ حِجَارَةُ الْأَرْحَاءِ وَالْبُنْيَانِ وَالْآنِيَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَجُوزُ السَّلَفُ فِيمَا لاَ يَنْقَطِعُ مِنْ الْعِطْرِ فِي أَيْدِي النَّاسِ بِوَزْنٍ وَصِفَةٍ كَغَيْرِهِ وَالْعَنْبَرُ مِنْهُ الْأَشْهَبُ وَالْأَخْضَرُ وَالْأَبْيَضُ وَلاَ يَجُوزُ حَتَّى يُسَمَّى، وَإِنْ سَمَّاهُ قِطْعَةً أَوْ قِطَعًا صِحَاحًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مُفَتَّتًا وَمَتَاعُ الصَّيَادِلَةِ كَمَتَاعِ الْعَطَّارِينَ وَلاَ خَيْرَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ خَالَطَهُ لُحُومُ الْحَيَّاتِ مِنْ الدرياق؛ لِأَنَّ الْحَيَّاتِ مُحَرَّمَاتٌ وَلاَ مَا خَالَطَهُ لَبَنُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ‏.‏

وَلَوْ أَقَالَهُ بَعْضَ السَّلَمِ، وَقَبَضَ بَعْضًا فَجَائِزٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ وَأَجَازَهُ عَطَاءٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا أَقَالَهُ فَبَطَلَ عَنْهُ الطَّعَامُ وَصَارَ عَلَيْهِ ذَهَبًا تَبَايَعَا بَعْدُ بِالذَّهَبِ مَا شَاءَا وَتَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ عَرْضٍ وَغَيْرِهِ وَلاَ يَجُوزُ فِي السَّلَفِ الشَّرِكَةُ وَلاَ التَّوْلِيَةُ؛ لِأَنَّهُمَا بَيْعٌ وَالْإِقَالَةُ فَسْخُ بَيْعٍ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ قَبْلَ مَحَلِّهِ أَدْنَى مِنْ حَقِّهِ أَجَزْتُهُ وَلاَ أَجْعَلُ لِلتُّهْمَةِ مَوْضِعًا‏.‏

بَابُ مَا لاَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي النَّبْلِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُقْدَرُ عَلَى ذَرْعِ ثَخَانَتِهَا لِرِقَّتِهَا وَلاَ وَصْفِهِ مَا فِيهَا مِنْ رِيشٍ وَعَقِبٍ وَغَيْرِهِ، وَلاَ فِي اللُّؤْلُؤِ، وَلاَ فِي الزَّبَرْجَدِ وَلاَ الْيَاقُوتِ مِنْ قِبَلِ أَنَّى لَوْ قُلْت لُؤْلُؤَةٌ مُدَحْرَجَةٌ صَافِيَةٌ صَحِيحَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ وَزْنُهَا كَذَا فَقَدْ تَكُونُ الثَّقِيلَةُ الْوَزْنِ وَزْنَ شَيْءٍ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَأُخْرَى أَخَفُّ مِنْهَا وَهِيَ كَبِيرَةٌ مُتَفَاوِتَتَيْنِ فِي الثَّمَنِ وَلاَ أَضْبِطُ أَنْ أَصِفَهَا بِالْعِظَمِ وَلاَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي جَوْزٍ وَلاَ رَانِجٍ وَلاَ قِثَّاءٍ وَلاَ بِطِّيخٍ وَلاَ رُمَّانٍ وَلاَ سَفَرْجَلٍ عَدَدًا؛ لِتَبَايُنِهَا إلَّا أَنْ يُضْبَطَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَيُوصَفُ بِمَا يَجُوزُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَرَى النَّاسَ تَرَكُوا وَزْنَ الرُّءُوسِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الصُّوفِ وَأَطْرَافِ الْمَشَافِرِ وَالْمَنَاخِرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُؤْكَلُ فَلَوْ تَحَامَلَ رَجُلٌ فَأَجَازَ السَّلَفَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا مَوْزُونًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ السَّلَفُ فِي جُلُودِ الْغَنَمِ وَلاَ جُلُودِ غَيْرِهَا وَلاَ إهَابٍ مِنْ رِقٍّ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ فِيهِ الذَّرْعُ لِاخْتِلاَفِ خِلْقَتِهِ وَلاَ السَّلَفُ فِي خُفَّيْنِ وَلاَ نَعْلَيْنِ وَلاَ السَّلَفُ فِي الْبُقُولِ جَزْمًا حَتَّى يُسَمِّيَ وَزْنًا وَجِنْسًا وَصَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَأَجَلاً مَعْلُومًا‏.‏

بَابُ التَّسْعِيرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ بِسُوقِ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ يَدَيْهِ غِرَارَتَانِ فِيهِمَا زَبِيبٌ فَسَأَلَهُ عَنْ سِعْرِهِمَا فَسَّرَ لَهُ مُدَّيْنِ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ لَقَدْ حَدَثَتْ بَعِيرٌ مُقْبِلَةٌ مِنْ الطَّائِفِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ سِعْرَك فَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تُدْخِلَ زَبِيبَك الْبَيْتَ فَتَبِيعَهُ كَيْفَ شِئْت فَلَمَّا رَجَعَ عُمَرُ حَاسَبَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَتَى حَاطِبًا فِي دَارِهِ فَقَالَ لَهُ إنَّ الَّذِي قُلْتُ لَك لَيْسَ بِعَزِيمَةٍ مِنِّي وَلاَ قَضَاءٍ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَرَدْت بِهِ الْخَيْرَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ فَحَيْثُ شِئْتَ فَبِعْ وَكَيْفَ شِئْتَ فَبِعْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَقْصًى لَيْسَ بِخِلاَفٍ لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَلَكِنَّهُ رَوَى بَعْضَ الْحَدِيثِ أَوْ رَوَاهُ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَهَذَا أَتَى بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ وَبِهِ أَقُولُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلاَ شَيْئًا مِنْهَا بِغَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَلْزَمُهُمْ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا‏.‏

بَابُ الزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ وَضَبْطِ مَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَصْلُ مَا يَلْزَمُ الْمُسَلِّفَ قَبُولُ مَا سَلَّفَ فِيهِ أَنَّهُ يَأْتِيهِ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ زَائِدًا صَلُحَ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مَا سَلَّفَ فِيهِ أُجْبِرَ عَلَى قَبْضِهِ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ تَطَوُّعًا فَإِنْ اخْتَلَفَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَنْفَعَةٍ أَوْ ثَمَنٍ كَانَ لَهُ أَنْ لاَ يَقْبَلَهُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَقَلَّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ، وَإِنْ كَانَتْ حِنْطَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُوفِيَهُ إيَّاهَا نَقِيَّةً مِنْ التِّبْنِ وَالْقَصْلِ وَالْمَدْرِ وَالزُّوَانِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ التَّمْرَ إلَّا جَافًّا وَلَوْ كَانَ لَحْمَ طَائِرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْوَزْنِ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ دُونِ الْفَخِذَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لاَ لَحْمَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَحْمَ حِيتَانٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْوَزْنِ وَالرَّأْسِ وَلاَ الذَّنَبِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَكُونُ عَلَيْهِ لَحْمٌ، وَإِنْ أَعْطَاهُ مَكَانَ كَيْلٍ وَزْنًا أَوْ مَكَانَ وَزْنٍ كَيْلاً أَوْ مَكَانَ جِنْسٍ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ السَّلَمِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَأَصْلُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِالْحِجَازِ فَكُلُّ مَا وُزِنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَمَا كِيلَ فَأَصْلُهُ الْكَيْلُ وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ وَلَوْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَإِنْ كَانَ نُحَاسًا أَوْ تِبْرًا أَوْ عَرْضًا غَيْرَ مَأْكُولٍ وَلاَ مَشْرُوبٍ وَلاَ ذِي رُوحٍ أَجْبَرْته عَلَى أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ مَأْكُولاً أَوْ مَشْرُوبًا فَقَدْ يُرِيدُ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ جَدِيدًا، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَلاَ غِنَى بِهِ عَنْ الْعَلَفِ أَوْ الرَّعْيِ فَلاَ نَجْبُرُهُ عَلَى أَخْذِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهِ مُؤْنَةٌ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى وَقْتِهِ فَعَلَى هَذَا، هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ‏.‏

بَابُ الرَّهْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَذِنَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِالرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ حَقٌّ فَكَذَلِكَ كُلُّ حَقٍّ لَزِمَ فِي حِينِ الرَّهْنِ وَمَا تَقَدَّمَ الرَّهْنُ، وَقَالَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ‏{‏فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ مَعْنَى لِلرَّهْنِ حَتَّى يَكُونَ مَقْبُوضًا مِنْ جَائِزِ الْأَمْرِ حِينَ رَهَنَ وَحِينَ أَقْبَضَ وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ، وَقَبْضُهُ مِنْ مُشَاعٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلرَّاهِنِ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ إلَى وَارِثِهِ وَمَنْعُهُ وَلَوْ قَالَ أَرْهَنُك دَارِي عَلَى أَنْ تُدَايِنَنِي فَدَايَنَهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا حَتَّى يَعْقِدَ الرَّهْنَ مَعَ الْحَقِّ أَوْ بَعْدَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ لاَ يَجُوزُ إلَّا مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَأَمَّا قَبْلَهُ فَلاَ رَهْنَ قَالَ‏:‏ وَيَجُوزُ ارْتِهَانُ الْحَاكِمِ وَوَلِيُّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَهُ وَرَهْنُهُمَا عَلَيْهِ فِي النَّظَرِ لَهُ وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَا وَيَفْضُلاَ وَيَرْتَهِنَا فَأَمَّا أَنْ يُسَلِّفَا وَيَرْتَهِنَا فَهُمَا ضَامِنَانِ؛ لِأَنَّهُ لاَ فَضْلَ لَهُ فِي السَّلَفِ يَعْنِي الْقَرْضَ وَمَنْ قُلْت لاَ يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ إلَّا فِيمَا يَفْضُلُ مِنْ وَلِيٍّ لِيَتِيمٍ أَوْ أَبٍ لِابْنٍ طِفْلٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ وَالدَّيْنَ لاَزِمٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَالرَّهْنُ نَقْصٌ عَلَيْهِمْ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنُوا إلَّا حَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُودِعُوا أَمْوَالَهُمْ مِنْ الضَّرُورَةِ بِالْخَوْفِ إلَى تَحْوِيلِ أَمْوَالِهِمْ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ لِابْنِهِ الطِّفْلِ عَلَيْهِ حَقٌّ جَازَ أَنْ يَرْتَهِنَ لَهُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ لَهُ، وَإِذَا قَبَضَ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ إخْرَاجُهُ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَبْرَأَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ‏.‏ وَلَوْ أَكْرَى الرَّهْنَ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهُ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ وَلَوْ رَهَنَهُ وَدِيعَةً لَهُ فِي يَدِهِ وَأَذِنَ لَهُ بِقَبْضِهِ فَجَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْبِضَهُ فِيهَا فَهُوَ قَبْضٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ وَدِيعَةً غَيْرُ قَبْضِهِ رَهْنًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْوَدِيعَةِ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا حَتَّى يَصِيرَ إلَى مَنْزِلِهِ وَهِيَ فِيهِ وَلاَ يَكُونُ الْقَبْضُ إلَّا مَا حَضَرَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ لاَ حَائِلَ دُونَهُ‏.‏

وَالْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ جَائِزٌ إلَّا فِيمَا لاَ يُمْكِنُ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُرْتَهِنَ أَنَّهُ قَبَضَ مَا كَانَ أَقَرَّ لَهُ بِقَبْضِهِ أَحَلَفْتَهُ وَالْقَبْضُ فِي الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَمَا يَحُولُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُرْتَهِنُهُ مِنْ يَدَيْ رَاهِنِهِ، وَقَبَضَ مَا لاَ يَحُولُ مِنْ أَرْضٍ وَدَارٍ أَنْ يُسَلَّمَ لاَ حَائِلَ دُونَهُ وَكَذَلِكَ الشِّقْصُ وَشِقْصُ السَّيْفِ أَنْ يَحُولَ حَتَّى يَضَعَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ يَدَيْ الشَّرِيكِ‏.‏

وَلَوْ كَانَ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِغَصْبٍ لِلرَّاهِنِ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ كَانَ رَهْنًا وَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ بِالْغَصْبِ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ يُبْرِئَهُ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا يُشْبِهُ أَصْلَ قَوْلِهِ إذَا جَعَلَ قَبْضَ الْغَصْبِ فِي الرَّهْنِ جَائِزًا كَمَا جَعَلَ قَبْضَهُ فِي الْبَيْعِ جَائِزًا أَنْ لاَ يَجْعَلَ الْغَاصِبَ فِي الرَّهْنِ ضَامِنًا إذْ الرَّهْنُ عِنْدَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَهُ دَارَيْنِ فَقَبَضَ إحْدَاهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْأُخْرَى كَانَتْ الْمَقْبُوضَةُ رَهْنًا دُونَ الْأُخْرَى بِجَمِيعِ الْحَقِّ وَلَوْ أَصَابَهَا هَدْمٌ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَتْ رَهْنًا بِحَالِهَا، وَمَا سَقَطَ مِنْ خَشَبِهَا أَوْ طُوبِهَا يَعْنِي الْآجُرَّ‏.‏

وَلَوْ رَهَنَهُ جَارِيَةً قَدْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَقَرَّ بِهِ فَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ اغْتَصَبَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَوَطِئَهَا فَهِيَ بِحَالِهَا فَإِنْ افْتَضَّهَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا أَوْ قِصَاصًا مِنْ الْحَقِّ فَإِنْ أَحْبَلَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا لَمْ تُبَعْ مَا كَانَتْ حَامِلاً فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَتْهَا الْوِلاَدَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا تَكُونُ رَهْنًا أَوْ قِصَاصًا مِنْ الْحَقِّ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يَكُونُ إحْبَالُهُ لَهَا أَكْبَرَ مِنْ عِتْقِهَا وَلاَ مَالَ لَهُ فَأُبْطِلَ الْعِتْقَ وَتُبَاعُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ يَعْنِي إذَا كَانَ مُعْسِرًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا وَالْحَقُّ مِائَةٌ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الْمِائَةِ وَالْبَاقِي لِسَيِّدِهَا وَلاَ تُوطَأُ وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ فِي قَوْلِ مَنْ يُعْتِقُهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ قَدْ قَطَعَ بِعِتْقِهَا فِي كِتَابِ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلاَدِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَفِي الْأُمِّ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ بِيعَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَا وَصَفْت ثُمَّ مَلَكَهَا سَيِّدُهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ بِذَلِكَ الْوَلَدِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت‏:‏ أَنَا أُشَبِّهُ بِقَوْلِ أَنْ لاَ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْعَقْدَ إذَا لَمْ يَجُزْ فِي وَقْتِهِ لَمْ يَجُزْ بَعْدَهُ حَتَّى يُبْتَدَأَ بِمَا يَجُوزُ، وَقَدْ قَالَ لاَ يَكُونُ إحْبَالُهُ لَهَا أَكْبَرَ مِنْ عِتْقِهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَبْطَلْتُ عِتْقَهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا فَهِيَ فِي مَعْنَى مَنْ أَعْتَقَهَا مَنْ لاَ يَجُوزُ عِتْقُهُ فِيهَا فَهِيَ رَقِيقٌ بِحَالِهَا فَكَيْفَ تُعْتَقُ أَوْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِحَادِثٍ مِنْ شِرَاءٍ وَهِيَ فِي مَعْنَى مَنْ أَعْتَقَهَا مَحْجُورٌ ثُمَّ أُطْلِقَ عَنْهُ الْحَجْرُ فَهُوَ لاَ يَجْعَلُهَا حُرَّةً عَلَيْهِ أَبَدًا بِهَذَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَحْبَلَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ أَعْتَقْتهَا بِإِذْنِك، وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهِيَ رَهْنٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَأَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ، وَالْعِتْقُ وَالْوَلاَءُ لَهُ وَتَكُونُ مَكَانَهَا أَوْ قِصَاصًا‏.‏ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِوَطْئِهَا وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زَوْجٍ لَهَا وَادَّعَاهُ الرَّاهِنُ فَهُوَ ابْنُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَلاَ يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ وَفِي الْأَصْلِ وَلاَ يَمِينَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَهَا أَوْ أَحْبَلَهَا، وَهِيَ رَهْنٌ فَسَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ وَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهَا أَوْ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُ الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ وَلاَ بِالْإِحْبَالِ وَبِيعَتْ فِي الرَّهْنِ فَلَمَّا جَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ تُبَعْ كَأَنَّهُ أَحْبَلَهَا وَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُوسِرًا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلاَ تُبَاعُ كَأَنَّهُ أَحْبَلَهَا وَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ فَتَفَهَّمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ حُدَّ وَوَلَدُهُ مِنْهَا رَقِيقٌ لاَ يَلْحَقُهُ وَلاَ مَهْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلاَ أَقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَاهُ الْجَهَالَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ حَدِيثًا أَوْ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَلَوْ كَانَ رَبُّهَا أَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا وَكَانَ يَجْهَلُ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَكَانَ حُرًّا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ سَقَطَ وَفِي الْمَهْرِ قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ عَلَيْهِ الْغُرْمَ‏.‏ وَالْآخَرُ‏:‏ لاَ غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَهَا لَهُ وَمَتَى مَلَكَهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا قَدْ مَضَى فِي مِثْلِ هَذَا جَوَابِي لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَبَدًا‏.‏ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ‏:‏ وَهِمَ الْمُزَنِيّ فِي هَذَا فِي كِتَابِ الرَّبِيعِ وَمَتَى مَلَكَهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ إلَى أَجَلٍ فَأَذِنَ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ فَبَاعَهُ فَجَائِزٌ وَلاَ يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا وَلاَ مَكَانَهُ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَوْ قَالَ أَذِنْت لَهُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي ثَمَنَهُ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ الشَّرْطَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ‏.‏ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهُ حَقَّهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِهِ، وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا أُشَبِّهُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ لاَ يَفْسَخَ الشَّرْطُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ أَمَرْت رَجُلاً أَنْ يَبِيعَ ثَوْبِي عَلَى أَنَّ لَهُ عُشْرَ ثَمَنِهِ فَبَاعَهُ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لاَ يَفْسَخُهُ فَسَادُ الشَّرْطِ فِي الثَّمَنِ وَكَذَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلاَ يَفْسَخُهُ فَسَادُ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا وَيَنْبَغِي إذَا نَفَذَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَكَانَ الرَّهْنِ أَوْ يَتَقَاصَّانِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ بِحَقٍّ حَالٍّ فَأَذِنَ لَهُ فَبَاعَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بَيْعُهُ وَأَخَذَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ‏.‏

وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لِلرَّاهِنِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَإِنْ أَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لاَ يَرْجِعُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ كَرَجُلٍ اكْتَرَى أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ اكْتَرَاهَا فَدَفَعَ الْمُكْتَرِي الثَّانِي كِرَاءَهَا عَنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا فَرَهَنَهُ قَبْلَهَا فَجَائِزٌ وَهُوَ قَطْعٌ لِخِيَارِهِ، وَإِيجَابٌ لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ قَبْلَ الثَّلاَثِ فَتَمَّ لَهُ مِلْكُهُ بَعْدَ الثَّلاَثِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ وَمِلْكُهُ عَلَى الْعَبْدِ غَيْرُ تَامٍّ وَيَجُوزُ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ فَإِنْ قُتِلَ بَطَلَ الرَّهْنُ‏.‏

وَلَوْ أَسْلَفَهُ أَلْفًا بِرَهْنٍ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَزِيدَهُ أَلْفًا وَيَجْعَلَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ رَهْنًا بِهَا وَبِالْأَلْفِ الْأُولَى فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَهْنًا كُلَّهُ بِالْأَلْفِ الْأُولَى كَمَا لَوْ تَكَارَى دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اكْتَرَاهَا تِلْكَ السَّنَةَ بِعَيْنِهَا بِعِشْرِينَ لَمْ يَكُنْ الْكِرَاءُ الثَّانِي إلَّا بَعْدَ فَسْخِ الْأَوَّلِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا‏:‏ وَأَجَازَهُ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ فِي الْحَقِّ الْوَاحِدِ بِالرَّهْنِ الْوَاحِدِ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الْحَقِّ رَهْنًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الرَّهْنِ حَقًّا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَشْهَدَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ هَذَا الرَّهْنَ فِي يَدِهِ بِأَلْفَيْنِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْحُكْمِ فَإِنْ تَصَادَقَا فَهُوَ مَا قَالاَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا قَدْ صَارَتْ فِي عُنُقِهِ جِنَايَةٌ عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ فِي مَالٍ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ، وَلَوْ أَبْطَلَ رَبُّ الْجِنَايَةِ حَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ بِحَقٍّ لَهُ فِي عُنُقِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُسَاوِي دِينَارًا وَالْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ بِحَقٍّ ثُمَّ رَهَنَهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ الثَّانِي، وَلَوْ ارْتَهَنَهُ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُ جَنَى قَبْلَ الرَّهْنِ جِنَايَةً ادَّعَى بِهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ وَلاَ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَقِيلَ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ مَا عَلِمَ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ الْقَوْلُ فِي إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ وَاحِدًا مِنْ قَوْلَيْنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الْعَبْدَ رَهْنٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ بِحَقَّيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ قِبَلِ الْجِنَايَةِ وَالْآخَرُ مِنْ قِبَلِ الرَّهْنِ، وَإِذَا فُكَّ مِنْ الرَّهْنِ، وَهُوَ لَهُ فَالْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ بِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لاَ قِصَاصَ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فِيهَا قِصَاصٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِهَا‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا أُخِذَ مِنْ السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فَيُدْفَعُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ حَقًّا أَتْلَفَهُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَهْنِهِ إيَّاهُ وَكَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَقَدْ جَنَى وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ قَتَلَهُ فَيَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَإِنَّمَا أُتْلِفَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لاَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَمَتَى خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَالْجِنَايَةُ فِي عُنُقِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِبَيْعٍ فَفِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا‏:‏ وَهَذَا أَصَحُّهَا وَأَشْبَهُهَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعَةٌ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَا يَضُرُّهُ لَزِمَهُ، وَمَنْ أَقَرَّ بِمَا يُبْطِلُ بِهِ حَقَّ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ بِعُدْوَانِهِ، وَقَدْ قَالَ‏:‏ إنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى عِلْمِهِ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لَمْ يَضُرَّ الْمُرْتَهِنَ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا بِيعَ فِي الرَّهْنِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَتَى رَجَعَ إلَيْهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ حُرٌّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ ثُمَّ بَرِئَ مِنْ الْجِنَايَةِ بِعَفْوٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى حَالِهِ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرَّهْنِ كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ عِتْقًا قَدْ يَقَعُ قَبْلَ حُلُولِ الرَّهْنِ فَلاَ يَسْقُطُ الْعِتْقُ، وَالرَّهْنُ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي التَّدْبِيرِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ لَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ رَهَنَهُ كَانَ هَكَذَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ وَقَدْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَلَوْ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ أَمَا كَانَ جَائِزًا‏؟‏ فَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْجَدِيدِ آخِرُ مَا سَمِعْنَاهُ مِنْهُ‏:‏ وَلَوْ قَالَ فِي الْمُدَبَّرِ إنْ أَدَّى بَعْدَ مَوْتِي كَذَا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ وَهَبَهُ هِبَةَ بَتَاتٍ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَرَجَعَ فَهَذَا رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ هَذَا نَصُّ قَوْلِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ فَقَدْ أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ بِغَيْرِ إخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ، وَإِذَا رَهَنَهُ فَقَدْ أَوْجَبَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِيهِ فَهُوَ أَوْلَى بِرَقَبَتِهِ مِنْهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ لِلْحَقِّ الَّذِي عَقَدَهُ فِيهِ فَكَيْفَ يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ بِقَوْلِهِ إنْ أَدَّى كَذَا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ وَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى رَجَعَ فِي هِبَتِهِ وَمِلْكُهُ فِيهِ بِحَالِهِ وَلاَ حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَلاَ يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى يَدِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِرَقَبَتِهِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ، وَقَبْضُ ثَمَنِهِ فِي دَيْنِهِ وَمُنِعَ سَيِّدُهُ مِنْ بَيْعِهِ فَهَذَا أَقْيَسُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ شَرَحْت لَك فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ فَتَفَهَّمْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا حُلْوًا كَانَ جَائِزًا فَإِنْ حَالَ إلَى أَنْ يَصِيرَ خَلًّا أَوْ مُرًّا أَوْ شَيْئًا لاَ يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ فَإِنْ حَالَ الْعَصِيرُ إلَى أَنْ يُسْكِرَ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَرَامًا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَمَاتَ الْعَبْدُ فَإِنْ صَارَ الْعَصِيرُ خَمْرًا ثُمَّ صَارَ خَلًّا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَهُوَ رَهْنٌ فَإِنْ صَارَ خَلًّا بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ حَلاَلاً وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُكَهُ عَصِيرًا ثُمَّ صَارَ فِي يَدَيْك خَمْرًا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِيهِ خَمْرًا فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ كَمَا يَحْدُثُ الْعَيْبُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا أَرَاقَ الْخَمْرَ وَلاَ رَهْنَ لَهُ، وَالْبَيْعُ لاَزِمٌ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا يَحِلُّ لَهُ ارْتِهَانُهُ بِحَالٍ وَلَيْسَ كَالْعَيْبِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَحِلُّ مِلْكُهُ وَالْعَيْبُ بِهِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا هَذَا عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُدَّعٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْجَارِيَةَ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِقَةٍ‏.‏

لَوْ ارْتَهَنَ نَخْلاً مُثْمِرًا فَالثَّمَرُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ طَلْعًا كَانَ أَوْ بُسْرًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ مَعَ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ تُرَى وَمَا هَلَكَ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ مِنْ رَهْنٍ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَهَنَهُ مَا يَفْسُدُ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ غَدِهِ أَوْ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ يَابِسًا مِثْلُ الْبَقْلِ وَالْبِطِّيخِ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَالًّا فَجَائِزٌ وَيُبَاعُ، وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ يَفْسُدُ إلَيْهِ كَرِهْتُهُ وَمَنَعَنِي مِنْ فَسْخِهِ أَنَّ لِلرَّاهِنِ بَيْعَهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ عَلَى أَنْ يُعْطَى صَاحِبَ الْحَقِّ حَقُّهُ بِلاَ شَرْطٍ فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لاَ يُبَاعَ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْحَقُّ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا بِلاَ نَخْلٍ فَأَخْرَجَتْ نَخْلاً فَالنَّخْلُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَلْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهَا حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ فَإِنْ بَلَغَتْ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَمْ تُقْلَعْ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قُلِعَتْ، وَإِنْ فَلِسَ بِدُيُونِ النَّاسِ بِيعَتْ الْأَرْضُ بِالنَّخْلِ ثُمَّ قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ بِلاَ نَخْلٍ وَعَلَى مَا بَلَغَتْ بِالنَّخْلِ فَأُعْطِيَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَ الْأَرْضِ وَالْغُرَمَاءُ ثَمَنَ النَّخْلِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَنَخْلاً ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ أَحْدَثْت فِيهَا نَخْلاً وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ وَلَمْ تَكُنْ دَلاَلَةٌ وَأَمْكَنَ مَا قَالَ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَلَّ الْحَقُّ أَنْ يَبِيعَهُ لِمَنْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ إلَّا بِأَنْ يَحْضُرَهُ رَبُّ الرَّهْنِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَمَرَ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهِ وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْعَدْلِ جَازَ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَفْسَخَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَكَالَتَهُ وَلَوْ بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى جَاءَ مَنْ يَزِيدُهُ قَبِلَ الزِّيَادَةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ‏.‏

وَإِذَا بِيعَ الرَّهْنُ فَثَمَنُهُ مِنْ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَأَمَرَ الْحَاكِمُ عَدْلاً فَبَاعَ الرَّهْنَ وَضَاعَ الثَّمَنُ مِنْ يَدَيْ الْعَدْلِ فَاسْتُحِقَّ الرَّهْنُ لَمْ يَضْمَنْ الْحَاكِمُ وَلاَ الْعَدْلُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ مَتَاعَهُ وَالْحَقُّ وَالثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ كَهِيَ لَوْ بَاعَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَيْسَ الَّذِي يَبِيعُ لَهُ الرَّهْنَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِسَبِيلٍ وَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ فَقَبَضَ الثَّمَنَ فَقَالَ ضَاعَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ دَفَعْته إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَعَلَى الدَّافِعِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ بَاعَ بِدَيْنٍ كَانَ ضَامِنًا‏.‏ وَلَوْ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا‏:‏ بِعْ بِدَنَانِيرَ وَالْآخَرُ بِعْ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَبِعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الرَّهْنِ وَحَقِّ الرَّاهِنِ فِي رَقَبَتِهِ وَثَمَنِهِ وَجَاءَ الْحَاكِمُ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْبَيْعِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَصْرِفَهُ فِيمَا الرَّهْنُ فِيهِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْعَدْلِ فَأَيُّهُمَا دَعَا إلَى إخْرَاجِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْعَدْلُ رَدَّهُ وَهُمَا حَاضِرَانِ فَذَلِكَ لَهُ وَلَوْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرِهِمَا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَا بِعِيدَيْ الْغَيْبَةِ لَمْ أَرَ أَنْ يَضْطَرَّهُ عَلَى حَبْسِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ وَكَالَةٌ لَيْسَتْ لَهُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ إلَى عَدْلٍ‏.‏

وَلَوْ جَنَى الْمَرْهُونُ عَلَى سَيِّدِهِ فَلَهُ الْقِصَاصُ فَإِنْ عَفَا فَلاَ دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ فَإِنْ جَنَى عَبْدُهُ الْمَرْهُونُ عَلَى عَبْدٍ لَهُ آخَرَ مَرْهُونٍ فَلَهُ الْقِصَاصُ فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ فَالْمَالُ مَرْهُونٌ فِي يَدَيْ مُرْتَهِنِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ الَّذِي بِهِ أَجَزْت لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِنَايَةَ مِنْ عُنُقِ عَبْدِهِ الْجَانِي وَلاَ يَمْنَعُ الْمُرْتَهِنُ السَّيِّدَ مِنْ الْعَفْوِ بِلاَ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ فِي الْعَبْدِ مَالٌ حَتَّى يَخْتَارَهُ الْوَلِيُّ وَمَا فَضَلَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ بِمَا فِيهِ قِصَاصٌ جَائِزٌ كَالْبَيِّنَةِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ قِصَاصٌ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ، وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ فِي الرَّهْنِ قِيلَ لِسَيِّدِهِ إنْ فَدَيْته بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ فَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ، وَهُوَ رَهْنٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ بِيعَ فِي جِنَايَتِهِ فَإِنْ تَطَوَّعَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ فَدَاهُ بِأَمْرِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِهِ مَعَ الْحَقِّ الْأَوَّلِ فَجَائِزٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَزْدَادَ حَقًّا فِي الرَّهْنِ الْوَاحِدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ أَمَرَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ بَالِغًا فَهُوَ آثِمٌ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ كُلِّفَ السَّيِّدُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِرَهْنِهِ فَجَنَى فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ فَأَشْبَهَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ وَلَيْسَ كَالْمُسْتَعِيرِ الَّذِي مَنْفَعَتُهُ مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ عَنْ مُعِيرِهِ وَلِلسَّيِّدِ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ عَبْدَهُ وَالْخَصْمُ فِيمَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ سَيِّدُهُ فَإِنْ أَحَبَّ الْمُرْتَهِنُ حَضَرَ خُصُومَتَهُ فَإِذَا قَضَى لَهُ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ رَهْنًا وَلَوْ عَفَا الْمُرْتَهِنُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلاً‏.‏ وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا بِدَنَانِيرَ وَعَبْدًا بِحِنْطَةٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَانَتْ الْجِنَايَةُ هَدَرًا‏.‏

وَأَكْرَهُ أَنْ يَرْهَنَ مِنْ مُشْرِكٍ مُصْحَفًا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا وَأُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى يَدَيْ مُسْلِمٍ وَلاَ بَأْسَ بِرَهْنِهِ مَا سِوَاهُمَا ‏{‏رَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي غَيْرِ كِتَابِ الرَّهْنِ الْكَبِيرِ‏:‏ إنَّ الرَّهْنَ فِي الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ النَّصْرَانِيِّ بَاطِلٌ‏.‏

بَابُ اخْتِلاَفِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَعْقُولٌ إذَا أَذِنَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- بِالرَّهْنِ أَنَّهُ زِيَادَةُ وَثِيقَةٍ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحَقِّ بِعَيْنِهِ وَلاَ جُزْءًا مِنْ عَدَدِهِ وَلَوْ بَاعَ رَجُلاً شَيْئًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ مِنْ مَالِهِ مَا يَعْرِفَانِهِ يَضَعَانِهِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَلَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ تَامًّا حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ أَنْ يُقْبِضَهُ الرَّهْنَ لَمْ يُجْبِرْهُ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي إتْمَامِ الْبَيْعِ بِلاَ رَهْنٍ أَوْ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّتِهِ دُونَ الرَّهْنِ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ حَمِيلاً بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَحَمَّلْ لَهُ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ نَقْصٌ يَكُونُ لَهُ بِهِ الْخِيَارُ، وَلَوْ كَانَا جَهِلاَ الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ الرَّهْنُ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِهِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِعِلْمِهِمَا بِهِ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَتَمَّ الْبَيْعَ بِلاَ رَهْنٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ لِبُطْلاَنِ الْوَثِيقَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَرْهَنُك أَحَدَ عَبْدَيَّ كَانَ فَاسِدًا لاَ يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا يَعْرِفَانِهِ جَمِيعًا بِعَيْنِهِ، وَلَوْ أَصَابَ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالرَّهْنِ عَيْبًا فَقَالَ‏:‏ كَانَ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَنَا أَفْسَخُ الْبَيْعَ‏.‏ وَقَالَ الرَّاهِنُ‏:‏ بَلْ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَحْدُثُ، وَلَوْ قُتِلَ الرَّهْنُ بِرِدَّةٍ أَوْ قُطِعَ بِسَرِقَةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ فِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ جَهِلاَ الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ غَيْرُ فَاسِدٍ، وَإِنَّمَا لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إثْبَاتِهِ لِجَهْلِهِ بِالرَّهْنِ أَوْ الْحَمِيلِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَ حَدَثَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَلَوْ مَاتَ فِي يَدَيْهِ، وَقَدْ دَلَّسَ لَهُ فِيهِ بِعَيْبٍ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ؛ لِمَا فَاتَ مِنْ الرَّهْنِ‏.‏ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطَا رَهْنًا فِي الْبَيْعِ فَتَطَوَّعَ الْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى إخْرَاجِهِ مِنْ الرَّهْنِ وَبَقِيَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ‏.‏ وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ نَفْسُهُ رَهْنًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمَبِيعُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ‏:‏ أَرْهَنُك عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي فِي الْأَجَلِ فَفَعَلاَ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ وَيَرُدُّ مَا زَادَهُ‏.‏ وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ الْمَوْضُوعَ عَلَى يَدَيْهِ قَبَضَ الرَّهْنَ جَعَلْته رَهْنًا، وَلَمْ أَقْبَلْ قَوْلَ الْعَدْلِ لَمْ أَقْبِضْهُ وَأَيُّهُمَا مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ فِي اخْتِلاَفِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي الْحَقِّ، وَالْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فِيمَا يُشْبِهُ وَلاَ يُشْبِهُ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ رَهَنْتُمَانِي عَبْدَكُمَا هَذَا بِمِائَةٍ، وَقَبَضْته مِنْكُمَا فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ كَانَ نِصْفُهُ رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَنِصْفُهُ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ فَإِنْ شَهِدَ شَرِيكُ صَاحِبِ نِصْفِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الْمُرْتَهِنِ، وَكَانَ عَدْلاً حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ مَعَهُ وَكَانَ نَصِيبُهُ مِنْهُ رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَلاَ مَعْنَى فِي شَهَادَتِهِ نَرُدُّهَا بِهِ‏.‏ وَإِذَا كَانَتْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَانِ إحْدَاهُمَا بِرَهْنٍ وَالْأُخْرَى بِغَيْرِ رَهْنٍ فَقَضَاهُ أَلْفًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْقَاضِي‏:‏ هِيَ الَّتِي فِي الرَّهْنِ‏.‏ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ‏:‏ هِيَ الَّتِي بِلاَ رَهْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي مَعَ يَمِينِهِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ رَهَنْته هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ بِأَلْفٍ وَلَمْ أَدْفَعْهَا إلَيْهِ فَغَصَبَنِيهَا أَوْ تَكَارَاهَا مِنَى رَجُلٌ وَأَنْزَلَهُ فِيهَا أَوْ تَكَارَاهَا هُوَ مِنِّي فَنَزَلَهَا وَلَمْ أُسَلِّمْهَا رَهْنًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ‏.‏

بَابُ انْتِفَاعِ الرَّاهِنِ بِمَا يَرْهَنُهُ

قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْمُزَنِيّ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ ‏{‏الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ رَهَنَ ذَاتَ دَرٍّ وَظَهْرٍ لَمْ يُمْنَعْ الرَّاهِنُ مِنْ ظَهْرِهَا وَدَرِّهَا، وَأَصْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا الْبَابِ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِي رَقَبَةِ الرَّهْنِ دُونَ غَيْرِهِ، وَمَا يَحْدُثُ مِمَّا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ سُكْنَى الدُّورِ وَزُرُوعِ الْأَرَضِينَ وَغَيْرِهَا فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ فِي الرَّهْنِ عَبْدَهُ وَيَرْكَبَ دَوَابَّهُ وَيُؤَاجِرَهَا وَيَحْلُبَ دَرَّهَا وَيَجُزَّ صُوفَهَا وَتَأْوِي بِاللَّيْلِ إلَى مُرْتَهِنِهَا أَوْ إلَى يَدَيْ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى يَدَيْهِ وَكُلُّ وَلَدِ أَمَةٍ وَنِتَاجِ مَاشِيَةٍ وَثَمَرِ شَجَرَةٍ وَنَخْلَةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ يُسَلَّمُ لِلرَّاهِنِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رُهُونِهِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ رَقِيقِهِ فَعَلَيْهِ كَفَنُهُ‏.‏ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمَةِ تُعْتَقُ أَوْ تُبَاعُ فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَبَيْنَ الرَّهْنِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ زَالَ مِلْكُهُ وَحَدَثَ الْوَلَدُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَإِذَا رَهَنَ فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ وَحَدَثَ الْوَلَدُ فِي مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ مُحَوَّلٌ دُونَهُ لِحَقٍّ حُبِسَ بِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا يُؤَاجِرُهَا فَتَكُونُ مُحْتَبِسَةً بِحَقِّ غَيْرِهِ‏.‏ وَإِنْ وَلَدَتْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهَا فِي ذَلِكَ مَعَهَا وَالرَّهْنُ كَالضَّمِينِ لاَ يَلْزَمُ إلَّا مَنْ أَخَلَّ نَفْسَهُ فِيهِ وَوَلَدُ الْأَمَةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الرَّهْنِ قَطُّ، وَأَكْرَهُ رَهْنَ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهَا لِلْخِدْمَةِ خَوْفًا أَنْ يُحْبِلَهَا، وَمَا كَانَتْ مِنْ زِيَادَةٍ لاَ تَتَمَيَّزُ مِنْهَا مِثْلُ الْجَارِيَةِ تَكْبَرُ وَالثَّمَرَةُ تَعْظُمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ مِنْهَا وَهِيَ رَهْنٌ كُلُّهَا‏.‏ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مَاشِيَةً فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُنْزِيَ عَلَيْهَا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَنْ يَخْتِنَهُ أَوْ احْتَاجَ إلَى شُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ فَتْحِ عِرْقٍ أَوْ الدَّابَّةِ إلَى تَوْدِيجٍ أَوْ تبزيع فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا فِيهِ لِلرَّهْنِ مَنْفَعَةٌ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا فِيهِ مَضَرَّةٌ‏.‏

بَابُ رَهْنِ الْمُشْتَرَكِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا رَهَنَاهُ مَعًا عَبْدًا بِمِائَةٍ، وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ فَجَائِزٌ، وَإِنْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا مِمَّا عَلَيْهِ فَنِصْفُهُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ بِمِائَةٍ، وَقَبَضَاهُ فَنِصْفُهُ مَرْهُونٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِينَ فَإِنْ أَبْرَأَهُ أَحَدَهُمَا أَوْ قَبَضَ مِنْهُ نِصْفَ الْمِائَةِ فَنِصْفُهُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ كَانَ لِلَّذِي افْتَكَّ نِصْفَهُ أَنْ يُقَاسِمَ الْمُرْتَهِنَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ أَوْ أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ رَهَنَهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ مِنْ الرَّهْنِ شَيْءٌ وَلَوْ رَهَنَهُ بِمَا أَذِنَ لَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَهُ بِافْتِكَاكِهِ وَكَانَ الْحَقُّ حَالًّا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَتَبِعَ فِي مَالِهِ حَتَّى يُوفِيَ الْغَرِيمَ حَقَّهُ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْغَرِيمُ أَسْلَمَ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ، وَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِافْتِكَاكِهِ إلَّا إلَى مَحِلِّهِ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ رَجُلَيْنِ وَأَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَبْضِهِ كُلِّهِ بِالرَّهْنِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ رَهْنَهُ وَقَبْضَهُ كَانَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَدَّقَ الرَّاهِنُ أَحَدَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَلاَ يَمِينَ عَلَيْهِ‏.‏ وَلَوْ أَنْكَرَ أَيُّهُمَا الْأَوَّلَ أُحْلِفَ وَكَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، وَإِنْ كَانَ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا وَصَدَّقَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ يُصَدَّقُ وَالْآخَرُ لاَ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ الْعَبْدُ يَمْلِكُ بِالرَّهْنِ مِثْلَ مَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ غَيْرَهُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ أَصَحُّهُمَا أَنْ يُصَدَّقَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ اجْتَمَعَ فِيهِ إقْرَارُ الْمُرْتَهِنِ وَرَبُّ الرَّهْنِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُقِرٌّ لَهُ أَنَّهُ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ وَلَهُ فَضْلُ يَدَيْهِ عَلَى صَاحِبِهِ فَلاَ تُقْبَلُ دَعْوَى الرَّاهِنِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ قَبَضَهُ فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ قَبْضَ صَاحِبِهِ قَبْلَهُ‏.‏

بَابُ رَهْنِ الْأَرْضِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا رَهَنَ أَرْضًا وَلَمْ يَقُلْ بِبِنَائِهَا وَشَجَرِهَا فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ بِنَائِهَا وَشَجَرِهَا وَلَوْ رَهَنَ شَجَرًا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بَيَاضٌ فَالشَّجَرُ رَهْنٌ دُونَ الْبَيَاضِ وَلاَ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ إلَّا مَا سَمَّى‏.‏

وَإِذَا رَهَنَ ثَمَرًا قَدْ خَرَجَ مِنْ نَخْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَمَعَهُ النَّخْلُ فَهُمَا رَهْنٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَوْ حَلَّ جَازَ أَنْ يُبَاعَ وَكَذَلِكَ إذَا بَلَغَتْ هَذِهِ الثَّمَرَةُ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ وَبِيعَتْ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا مَرْهُونًا مَعَ النَّخْلِ أَوْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الثَّمَرَةُ تَيْبَسُ فَلاَ يَكُونُ لَهُ بَيْعُهَا إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ‏.‏

وَلَوْ رَهَنَهُ الثَّمَرَ دُونَ النَّخْلِ طَلْعًا أَوْ مُؤَبَّرَةً أَوْ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَلَّ حَقُّهُ قَطْعَهَا وَبَيْعَهَا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الثَّمَرِ أَنَّهُ يُتْرَكُ إلَى أَنْ يَصْلُحَ أَلاَ تَرَى ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا‏}‏ لِمَعْرِفَةِ النَّاسِ أَنَّهَا تُتْرَكُ إلَى بُدُوِّ صَلاَحِهَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا فَمَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ فَلاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّمَرِ شَيْءٌ يَخْرُجُ فَرَهَنَهُ وَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ مِنْهُ فَلاَ يَتَمَيَّزُ الْخَارِجُ الْأَوَّلُ الْمَرْهُونُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يُقْطَعَ فِي مُدَّةٍ قَبْلَ أَنْ يُلْحَقُهُ الثَّانِي فَيَجُوزَ الرَّهْنُ فَإِنْ تُرِكَ حَتَّى يَخْرُجَ بَعْدَهُ ثَمَرَةٌ لاَ تَتَمَيَّزُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ يَفْسُدُ الرَّهْنُ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَفْسُدُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِ الثَّمَرَةِ الْمُخْتَلِطَةِ مِنْ الْمَرْهُونَةِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ حِنْطَةً فَاخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلرَّاهِنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ الْمَرْهُونَةِ مِنْ الْمُخْتَلِطَةِ بِهَا مَعَ يَمِينِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ بَيَّنْته فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ‏.‏ قُلْت أَنَا‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي الزِّيَادَةِ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ فِي يَدَيْهِ وَالرَّاهِنُ مُدَّعٍ قَدْرَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ فِي قِيَاسِهِ عِنْدِي، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا رَهَنَهُ ثَمَرَةً فَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهَا وَصَلاَحُهَا وَجِدَادُهَا وَتَشْمِيسُهَا كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَلاَ لِلْمُرْتَهِنِ قَطْعُهَا قَبْلَ أَوَانِهَا إلَّا بِأَنْ يَرْضَيَا بِهِ، وَإِذَا بَلَغَتْ إبَّانَهَا فَأَيُّهُمَا أَرَادَ قَطْعَهَا جُبِرَ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَلاَحِهَا فَإِنْ أَبَى الْمَوْضُوعَةُ عَلَى يَدَيْهِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَضَعَهَا فِي مَنْزِلِهِ إلَّا بِكِرَاءٍ قِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْك لَهَا مَنْزِلٌ تُحْرَزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَلاَحِهَا فَإِنْ جِئْت بِهِ، وَإِلَّا اكْتَرَى عَلَيْك مِنْهَا‏.‏

بَابُ مَا يُفْسِدُ الرَّهْنَ مِنْ الشَّرْطِ وَمَا لاَ يُفْسِدُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ مَنَافِعِ الرَّهْنِ شَيْئًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَلْفٌ فَقَالَ زِدْنِي أَلْفًا عَلَى أَنْ أَرْهَنَك بِهِمَا مَعًا رَهْنًا يَعْرِفَانِهِ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا‏.‏ وَلَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ بِعْنِي عَبْدًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك بِهَا وَبِالْأَلْفِ الَّتِي لَك عَلَيَّ بِلاَ رَهْنٍ دَارِي رَهْنًا فَفَعَلَ كَانَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخًا وَلَوْ أَسْلَفَهُ أَلْفًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهَا رَهْنًا وَشَرَطَ الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي السَّلَفِ وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَالْبَيْعُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إثْبَاتِهِ وَالرَّهْنِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قُلْت أَنَا‏:‏ أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ فَاسِدٍ بِشَرْطٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، وَإِنْ أُجِيزَ حَتَّى يُبْتَدَأَ بِمَا يَجُوزُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ اُشْتُرِطَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ لاَ يُبَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ إلَّا بِمَا يُرْضِي الرَّاهِنَ أَوْ حَتَّى يَبْلُغَ كَذَا أَوْ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَ الرَّهْنُ فَاسِدًا حَتَّى لاَ يَكُونَ دُونَ بَيْعِهِ حَائِلٌ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَهُ نَخْلاً عَلَى أَنَّ مَا أَثْمَرَتْ أَوْ مَاشِيَةً عَلَى أَنَّ مَا نَتَجَتْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ النَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ رَهْنًا وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ ثَمَرُ الْحَائِطِ وَلاَ نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِحَقٍّ وَاجِبٍ قَبْلَ الرَّهْنِ وَهَذَا كَرَجُلٍ رَهَنَ مِنْ رَجُلٍ دَارًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ أُخْرَى غَيْرَ أَنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فُسِخَ الرَّهْنُ وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الشَّرْطُ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هَذَا جَائِزٌ فِي قَوْلِ مَنْ أَجَازَ أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدَيْنِ فَيُصِيبَ أَحَدَهُمَا حُرًّا فَيُجِيزَ الْجَائِزَ وَيَرُدَّ الْمَرْدُودَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ يَفْسُدُ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ إذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ جَائِزًا وَغَيْرَ جَائِزٍ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ مَا قَطَعَ بِهِ وَأَثْبَتَهُ أَوْلَى وَجَوَابَاتُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ شَبِيهٌ‏.‏ وَقَدْ قَالَ لَوْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ هَذَا الْعَصِيرَ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ فَإِذَا هُوَ مِنْ سَاعَتِهِ خَمْرٌ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الرَّهْنُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ حَقًّا فَقَالَ قَدْ رَهَنْتُكَهُ بِمَا فِيهِ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَرَضِيَ كَانَ الْحَقُّ رَهْنًا وَمَا فِيهِ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لِجَهْلِ الْمُرْتَهِنِ بِمَا فِيهِ وَأَمَّا الْخَرِيطَةُ فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهَا إلَّا بِأَنْ يَقُولَ دُونَ مَا فِيهَا وَيَجُوزُ فِي الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْحَقِّ أَنَّ لَهُ قِيمَةً وَالظَّاهِرُ مِنْ الْخَرِيطَةِ أَنْ لاَ قِيمَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُرَادُ مَا فِيهَا وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلرَّهْنِ وَدَفَعَهُ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَغَيْرُ مَضْمُونٍ‏.‏

بَابُ ضَمَانِ الرَّهْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏لاَ يَغْلَقُ الرَّهْنُ وَالرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ‏}‏ وَوَصَلَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ أَوْ مِثْلُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ إذْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ فَضَمَانُهُ مِنْهُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ‏}‏ ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ ‏{‏لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ‏}‏ وَغُنْمُهُ سَلاَمَتُهُ وَزِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ عَطَبُهُ وَنُقْصَانُهُ‏.‏ أَلاَ تَرَى لَوْ ارْتَهَنَ خَاتَمًا بِدِرْهَمٍ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهَلَكَ الْخَاتَمُ فَمَنْ قَالَ ذَهَبَ دِرْهَمُ الْمُرْتَهِنِ بِالْخَاتَمِ زَعَمَ أَنَّ غُرْمَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ دِرْهَمَهُ ذَهَبَ، وَكَانَ الرَّاهِنُ بَرِيئًا مِنْ غُرْمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَلَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا، وَأَحَالَ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قَالَ‏:‏ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لاَ يَغْلَقُ الرَّهْنُ‏}‏ لاَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَدَعَ الرَّاهِنُ قَضَاءَ حَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مِلْكُ الرَّهْنِ لِرَبِّهِ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ وَلاَ مُخَاطِرٌ بِارْتِهَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا هَلَكَ بَطَلَ مَالُهُ كَانَ مُخَاطِرًا بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَثِيقَةً لَهُ وَكَانَ خَيْرًا لَهُ تَرْكُ الِارْتِهَانِ بِأَنْ يَكُونَ مَالُهُ مَضْمُونًا فِي جَمِيعِ مَالِ غَرِيمِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا ظَهَرَ هَلاَكُهُ وَخَفِيَ سَوَاءٌ لاَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ وَلاَ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الرَّهْنِ شَيْئًا إلَّا فِيمَا يَضْمَنَانِ فِيهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِالتَّعَدِّي فَإِنْ قَضَاهُ مَا فِي الرَّهْنِ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ فَحَبَسَهُ عَنْهُ وَهُوَ يُمْكِنُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ‏.‏

كِتَابُ التَّفْلِيسِ

قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْمُزَنِيّ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو الْمُعْتَمِرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ خَلْدَةَ أَوْ ابْنِ خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ الشَّكُّ مِنْ الْمُزَنِيِّ ‏{‏عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً أَفْلَسَ فَقَالَ هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ نَقْضَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ إنْ شَاءَ إذَا مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُقَالُ لِمَنْ قَبِلَ الْحَدِيثَ فِي الْمُفْلِسِ فِي الْحَيَاةِ دُونَ الْمَوْتِ قَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْحَيِّ فَحَكَمْتُمْ بِهَا عَلَى وَرَثَتِهِ فَكَيْفَ لَمْ تَحْكُمُوا فِي الْمُفْلِسِ فِي مَوْتِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ كَمَا حَكَمْتُمْ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَقَدْ جَعَلْتُمْ لِلْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلْمُوَرِّثِ الَّذِي عَنْهُ مَلَكُوا وَأَكْثَرُ حَالِ الْوَارِثِ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ إلَّا مَا لِلْمَيِّتِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أَجْعَلُ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعَهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَلاَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَقَدْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْتُ أَنَا‏:‏ وَقَالَ فِي الْمُحْبَسِ إذَا هَلَكَ أَهْلُهُ رَجَعَ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْمُحْبِسِ فَقَدْ جُعِلَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ فِي حَيَاتِهِ مَا لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُحْبِسِ، وَهَذَا عِنْدِي جَائِزٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ السِّلْعَةُ بِنَقْصٍ فِي بَدَنِهَا بِعَوَرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ زَادَتْ فَسَوَاءٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا كَمَا تُنْقَضُ الشُّفْعَةُ بِهَدْمٍ مِنْ السَّمَاءِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ بَاعَهُ نَخْلاً فِيهِ ثَمَرٌ أَوْ طَلْعٌ قَدْ أُبِّرَ وَاسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَهَا وَأَكَلَ الثَّمَرَ أَوْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ ثُمَّ فَلِسَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ عَيْنَ مَالِهِ وَيَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي حِصَّةِ الثَّمَرِ يَوْمَ قَبَضَهُ لاَ يَوْمَ أَكَلَهُ وَلاَ يَوْمَ أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ بَاعَهَا مَعَ ثَمَرٍ فِيهَا قَدْ اخْضَرَّ ثُمَّ فَلِسَ وَالثَّمَرُ رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ أَوْ بَاعَهُ زَرْعًا مَعَ أَرْضٍ خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ ثُمَّ أَصَابَهُ مُدْرَكًا أَخَذَهُ كُلَّهُ‏.‏ وَلَوْ بَاعَهُ حَائِطًا لاَ ثَمَرَ فِيهِ أَوْ أَرْضًا لاَ زَرْعَ فِيهَا ثُمَّ فَلِسَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ النَّخْلُ قَدْ أُبِّرَ وَالْأَرْضُ قَدْ زُرِعَتْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ وَتَبْقَى الثِّمَارُ إلَى الْجِدَادِ وَالزَّرْعُ إلَى الْحَصَادِ إنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ تَأْخِيرَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ ضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَ الثَّمَرِ قَبْلَ الْجِدَادِ، وَالزَّرْعُ بَقْلاً فَذَلِكَ لَهُمْ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ كَانَتْ لَهُ الْأَمَةُ إنْ شَاءَ وَالْوَلَدُ لِلْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى كَانَتْ لَهُ حُبْلَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْإِبَارَ كَالْوِلاَدَةِ وَإِذَا لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ كَالْحَامِلِ لَمْ تَلِدْ‏.‏ وَلَوْ بَاعَهُ نَخْلاً لاَ ثَمَرَ فِيهَا ثُمَّ أَثْمَرَتْ فَلَمْ تُؤَبَّرْ حَتَّى أَفْلَسَ فَلَمْ يَخْتَرْ الْبَائِعُ حَتَّى أُبِّرَتْ كَانَ لَهُ النَّخْلُ دُونَ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ عَيْنَ مَالِهِ إلَّا بِالتَّفْلِيسِ وَالِاخْتِيَارِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ فِي أَكْمَامٍ فَيَنْشَقُّ كَالْكُرْسُفِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِذَا انْشَقَّ فَمِثْلُ النَّخْلِ يُؤَبَّرُ وَإِذَا لَمْ يَنْشَقَّ فَمِثْلُ النَّخْلِ لَمْ يُؤَبَّرْ‏.‏ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ اخْتَرْتَ عَيْنَ مَالِي قَبْلَ الْإِبَارِ وَأَنْكَرَ الْمُفْلِسُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِهِ لِلْبَائِعِ وَأَجْعَلُهُ لِلْغَرِيمِ سِوَى مَنْ صَدَّقَ الْبَائِعَ ويحاصهم فِيمَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مِنْ الْغُرَمَاءِ عَدْلاَنِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُفْلِسُ وَكَذَّبَهُ الْغُرَمَاءُ فَمَنْ أَجَازَ إقْرَارَهُ أَجَازَهُ وَمَنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يُجِزْهُ وَأُحْلِفَ لَهُ الْغُرَمَاءُ الَّذِينَ يَدْفَعُونَهُ وَلَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَالٍ كَانَ لَهُ بِحِصَّتِهِ وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي بَقِيَّتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ دَارًا فَبُنِيَتْ أَوْ أَرْضًا فَغُرِسَتْ خَيَّرْته بَيْنَ أَنْ يُعْطَى الْعِمَارَةَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ أَوْ يَكُونَ لَهُ الْأَرْضُ وَالْعِمَارَةُ تُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ أَنْ يَقْلَعُوا وَيَضْمَنُوا مَا نَقَصَ الْقَلْعُ فَيَكُونَ لَهُمْ‏.‏ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ إنْ لَمْ يَأْخُذْ الْعِمَارَةَ وَأَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يَقْلَعُوهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ الْأَوَّلُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَشْبَهُ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الثَّوْبَ إذَا صُبِغَ لِبَائِعِهِ يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ تُغْرَسُ لِبَائِعِهَا يَكُونُ بِهَا شَرِيكًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ فَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ وَبَقِيَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ وَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَنِصْفُ الَّذِي قَبَضَ ثَمَنُ الْهَالِكِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُمَا بِمِائَةٍ فَقَبَضَ تِسْعِينَ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْآخَرُ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ أَصْلُ قَوْلِهِ أَنْ لَيْسَ الرَّهْنُ مِنْ الْبَيْعِ بِسَبِيلٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَعْنًى وَاحِدٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ فِي التَّفْلِيسِ دِرْهَمٌ لَمْ يَرْجِعْ فِي قَوْلِهِ مِنْ السِّلْعَةِ إلَّا بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَكْرَاهُ أَرْضًا فَفَلِسَ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فِي أَرْضِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِقَدْرِ مَا أَقَامَتْ الْأَرْضُ فِي يَدَيْهِ إلَى أَنْ أَفْلَسَ وَيَقْلَعَ الزَّرْعَ؛ عَنْ أَرْضِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِأَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ إجَارَةَ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ؛ لِأَنَّ الزَّارِعَ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ وَإِنْ كَانَ لاَ يَسْتَغْنِي عَنْ السَّقْيِ قِيلَ لِلْغُرَمَاءِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ بِأَنْ تُنْفِقُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ فَتَأْخُذُوا نَفَقَتَكُمْ مَعَ مَالِكُمْ بِأَنْ يَرْضَاهُ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَإِنْ لَمْ تَشَاءُوا وَشِئْتُمْ الْبَيْعَ فَبِيعُوهُ بِحَالِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ بَاعَهُ زَيْتًا فَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ أَرْدَأَ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَإِنْ خَلَطَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ لاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَصِلُ إلَى مَالِهِ فِيهِ إلَّا زَائِدًا بِمَالِ غَرِيمِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ وَبِهِ أَقُولُ وَلاَ يُشْبِهُ الثَّوْبَ يُصْبَغُ وَلاَ السَّوِيقُ يُلَتُّ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْنُ مَالٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَالذَّائِبُ إذَا اخْتَلَطَ انْقَلَبَ حَتَّى لاَ يُوجَدَ عَيْنُ مَالِهِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ زَيْتِهِ وَالْمَخْلُوطُ بِهِ مُتَمَيِّزَيْنِ ثُمَّ يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ قِيمَةِ زَيْتِهِ أَوْ يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِزَيْتِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْتُ أَنَا‏:‏ هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ زَيْتَهُ إذَا خُلِطَ بِأَرْدَأَ وَهُوَ لاَ يَتَمَيَّزُ عَيْنَ مَالِهِ كَمَا جَعَلَ الثَّوْبَ يُصْبَغُ وَلاَ يُمْكِنُ فِيهِ التَّمْيِيزُ عَيْنَ مَالِهِ فَلَمَّا قَدَرَ عَلَى قَسْمِ الزَّيْتِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ بِلاَ ظُلْمٍ قَسَمَهُ وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَسْمِ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَشْرَكَهُمَا فِيهِ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ لاَ يُمْنَعُ خَلْطُ زَيْتِهِ بِأَجْوَدَ مِنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ مَالِهِ فِيهِ وَفِي قَسْمِهِ ظُلْمٌ وَهُمَا شَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ وَبِهِ أَقُولُ يَأْخُذُهَا وَيُعْطَى قِيمَةَ الطَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَالِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يَصْبُغُهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ يَأْخُذُهُ، وَلِلْغُرَمَاءِ زِيَادَتُهُ فَإِنْ قَصَّرَهُ بِأُجْرَةِ دِرْهَمٍ فَزَادَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الْقَصَّارُ شَرِيكًا فِيهِ بِدِرْهَمٍ، وَالْغُرَمَاءُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ شُرَكَاءُ بِهَا وَبِيعَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَزَادَ دِرْهَمًا كَانَ شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ بِدِرْهَمٍ، وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأَرْبَعَةٍ وَبِهَذَا أَقُولُ‏.‏ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ‏:‏ أَنَّ الْقَصَّارَ غَرِيمٌ بِأُجْرَةِ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ لاَ عَيْنٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا الْبَيَاضُ فِي الثَّوْبِ عَنْ الْقِصَارَةِ كَالسَّمْنِ عَنْ الطَّعَامِ، وَالْعَلَفِ وَكِبَرِ الْوَدِيِّ عَنْ السَّقْيِ وَهُوَ لاَ يَجْعَلُ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ عَيْنَ مَالِهِ فَكَذَلِكَ زِيَادَةُ الْقِصَارَةِ لَيْسَتْ عَيْنَ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْأَجِيرِ يَبِيعُ فِي حَانُوتٍ أَوْ يَرْعَى غَنَمًا أَوْ يُرَوِّضُ دَوَابَّ فَالْأَجِيرُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، فَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ عَنْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ الَّتِي هِيَ آثَارٌ لَيْسَتْ بِأَعْيَانِ مَالٍ حُكْمُهَا عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ تَخُصَّ السُّنَّةُ مِنْهَا شَيْئًا فَيُتْرَكُ لَهَا الْقِيَاسُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ وَبِهِ أَقُولُ يَأْخُذُهَا وَيُعْطَى قِيمَةَ الطَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَالِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يَصْبُغُهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ يَأْخُذُهُ، وَلِلْغُرَمَاءِ زِيَادَتُهُ فَإِنْ قَصَّرَهُ بِأُجْرَةِ دِرْهَمٍ فَزَادَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الْقَصَّارُ شَرِيكًا فِيهِ بِدِرْهَمٍ، وَالْغُرَمَاءُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ شُرَكَاءُ بِهَا وَبِيعَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَزَادَ دِرْهَمًا كَانَ شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ بِدِرْهَمٍ، وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأَرْبَعَةٍ وَبِهَذَا أَقُولُ‏.‏ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ‏:‏ أَنَّ الْقَصَّارَ غَرِيمٌ بِأُجْرَةِ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ لاَ عَيْنٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا الْبَيَاضُ فِي الثَّوْبِ عَنْ الْقِصَارَةِ كَالسَّمْنِ عَنْ الطَّعَامِ، وَالْعَلَفِ وَكِبَرِ الْوَدِيِّ عَنْ السَّقْيِ وَهُوَ لاَ يَجْعَلُ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ عَيْنَ مَالِهِ فَكَذَلِكَ زِيَادَةُ الْقِصَارَةِ لَيْسَتْ عَيْنَ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْأَجِيرِ يَبِيعُ فِي حَانُوتٍ أَوْ يَرْعَى غَنَمًا أَوْ يُرَوِّضُ دَوَابَّ فَالْأَجِيرُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، فَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ عَنْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ الَّتِي هِيَ آثَارٌ لَيْسَتْ بِأَعْيَانِ مَالٍ حُكْمُهَا عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ تَخُصَّ السُّنَّةُ مِنْهَا شَيْئًا فَيُتْرَكُ لَهَا الْقِيَاسُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ تَبَايَعَا بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا فَفَلِسَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ مُسْتَحْدَثٍ فَإِنْ أَخَذَهُ دُونَ صِفَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْغُرَمَاءُ‏.‏

وَلَوْ أَسْلَفَهُ فِضَّةً بِعَيْنِهَا فِي طَعَامٍ ثُمَّ فَلِسَ كَانَ أَحَقَّ بِفِضَّتِهِ‏.‏

وَلَوْ أَكْرَى دَارًا ثُمَّ فَلِسَ الْمُكْرِي فَالْكِرَاءُ لِصَاحِبِهِ فَإِذَا تَمَّ سُكْنَاهُ بِيعَتْ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَوْ أَكْرَاهُ سَنَةً، وَلَمْ يَقْبِضْ الْكِرَاءَ ثُمَّ فَلِسَ الْمُكْتَرِي كَانَ لِلْمُكْرِي فَسْخُ الْكِرَاءِ‏.‏

وَلَوْ قَسَمَ الْحَاكِمُ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ قَدِمَ آخَرُونَ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَصِ وَإِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ بَيْعَ مَتَاعِهِ أَوْ رَهْنَهُ أَحْضَرَهُ أَوْ وَكِيلَهُ لِيُحْصِيَ ثَمَنَ ذَلِكَ فَيَدْفَعَ مِنْهُ حَقَّ الرَّهْنِ مِنْ سَاعَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ ارْتَضَوْا بِمَنْ يَكُونُ عَلَى يَدَيْهِ الثَّمَنُ وَبِمَنْ يُنَادِي عَلَى مَتَاعِهِ فِيمَنْ يَزِيدُ وَلاَ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ إلَّا مِنْ ثِقَةٍ وَأُحِبُّ أَنْ يُرْزَقَ مَنْ وَلِيَ هَذَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَمْ يَعْمَلْ إلَّا بِجُعْلٍ شَارَكُوهُ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا اجْتَهَدَ لَهُمْ وَلَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَهُوَ يَجِدُ ثِقَةً يَعْمَلُ بِغَيْرِ جُعْلٍ، وَيُبَاعُ فِي مَوْضِعِ سُوقِهِ، وَمَا فِيهِ صَلاَحُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَلاَ يَدْفَعُ إلَى مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَمَا ضَاعَ مِنْ الثَّمَنِ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ، وَيَبْدَأُ فِي الْبَيْعِ بِالْحَيَوَانِ وَيَتَأَنَّى بِالْمَسَاكِنِ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَهْلُ الْبَصَرِ بِهَا أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ أَثْمَانَهَا، وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامُ ثِقَةً يُسَلِّفُهُ الْمَالَ حَالًّا لَمْ يَجْعَلْهُ أَمَانَةً، وَيَنْبَغِي إذَا رُفِعَ إلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ وَقَفَ مَالَهُ عَنْهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ، وَلاَ يَهَبَ، وَمَا فَعَلَ مِنْ هَذَا فَفِيهِ قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ فَضَلَ جَازَ فِيهِ مَا فَعَلَ‏.‏ وَالْآخَرُ‏:‏ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ قَدْ قَطَعَ فِي الْمُكَاتَبِ إنْ كَاتَبَهُ بَعْدَ الْوَقْفِ فَأَدَّى لَمْ يُعْتَقْ بِحَالٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ زَعَمَ أَنَّهُ لَزِمَهُ قَبْلَ الْوَقْفِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ جَائِزٌ كَالْمَرِيضِ يَدْخُلُ مَعَ غُرَمَائِهِ وَبِهِ أَقُولُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ إقْرَارَهُ لاَزِمٌ لَهُ فِي مَالٍ إنْ حَدَثَ لَهُ أَوْ يَفْضُلُ عَنْ غُرَمَائِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ إلَى أَنَّ دُيُونَ الْمُفْلِسِ إلَى أَجَلٍ تَحِلُّ حُلُولُهَا عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمُؤَخَّرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةً، وَقَدْ يَمْلِكُ وَالْمَيِّتُ بَطَلَتْ ذِمَّتُهُ، وَلاَ يَمْلِكُ بَعْدَ الْمَوْتِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْتُ أَنَا‏:‏ هَذَا أَصَحُّ وَبِهِ قَالَ فِي الْإِمْلاَءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ عَمْدًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَخْذُ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَيْسَ عَلَى الْمُفْلِسِ أَنْ يُؤَاجِرَ وَذُو الْعُسْرَةِ يُنْظَرُ إلَى مَيْسَرَةٍ، وَيُتْرَكُ لَهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ مَا لاَ غِنَى بِهِ عَنْهُ وَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلُهُ يَوْمَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِنْ كَانَ لِبَيْعِ مَالِهِ حُبِسَ أُنْفِقَ مِنْهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَهْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَقَلَّ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ كَانَ ذَلِكَ فِي شِتَاءٍ أَوْ صَيْفٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ قَسْمِ مَالِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابُهُ كُلُّهَا عَوَالِيَ مُجَاوَزَةَ الْقَدْرِ اُشْتُرِيَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أَقَلُّ مَا يَلْبَسُ أَقْصِدُ مَا يَكْفِيهِ فِي مِثْلِ حَالِهِ، وَمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ‏.‏

وَإِنْ مَاتَ كُفِّنَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قِبَلَ الْغُرَمَاءِ وَحُفِرَ قَبْرُهُ، وَمُيِّزَ بِأَقَلَّ مَا يَكْفِيهِ وَكَذَلِكَ مَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ ثُمَّ قُسِّمَ الْبَاقِي بَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا‏.‏

وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ فَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا لَيْسَ لَهُمْ إلَّا مَا تَمَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ دُونَهُمْ‏.‏

بَابُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ فِي دَيْنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَفْلِيسِهِ فَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْعُهْدَةُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَهِيَ فِي مَالِ الْحَيِّ لاَ اخْتِلاَفَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، وَلَوْ بِيعَتْ دَارُهُ بِأَلْفٍ وَقَبَضَ أَمِينُ الْقَاضِي الثَّمَنَ فَهَلَكَ مِنْ يَدِهِ وَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَلاَ عُهْدَةَ عَلَى الْغَرِيمِ الَّذِي بِيعَتْ لَهُ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالْعُهْدَةِ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ فَإِنْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ بِيعَ ثُمَّ رُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي مَالُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ بِبَيْعٍ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي، وَلاَ أَمِينِهِ، وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ غَرِيمُ الْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ كَغُرَمَائِهِ سَوَاءٌ‏.‏

بَابُ جَوَازِ حَبْسِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِيعَ مَا ظَهَرَ لَهُ وَدَفَعَ، وَلَمْ يُحْبَسْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حُبِسَ وَبِيعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ ذَكَرَ عُسْرَهُ قُبِلَتْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ- جَلَّ وَعَزَّ- ‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏ وَأَحْلِفهُ مَعَ ذَلِكَ بِاَللَّهِ وَأُخْلِيهِ، وَمَنَعْتُ غُرَمَاءَهُ مِنْ لُزُومِهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنْ قَدْ أَفَادَ مَالاً فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا فِي يَدَيْهِ مَالاً سَأَلْته فَإِنْ قَالَ‏:‏ مُضَارَبَةً قَبِلْتُ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلاَ غَايَةَ لِحَبْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْكَشْفِ عَنْهُ فَمَتَى اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَا وَصَفْت لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ، وَلاَ يَغْفُلُ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ، وَإِذَا أَفَادَ مَالاً فَجَائِزٌ مَا صَنَعَ فِيهِ حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ السُّلْطَانُ وَقْفًا آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ‏.‏ وَإِذَا أَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ السَّفَرَ، وَأَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ لِبُعْدِ سَفَرِهِ وَقُرْبِ أَجَلِهِ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلاً بِهِ مُنِعَ مِنْهُ، وَقِيلَ لَهُ‏:‏ حَقُّك حَيْثُ وَضَعْتَهُ وَرَضِيتَهُ‏.‏

بَابُ الْحَجْرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْبُلُوغُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الْغُلاَمُ أَوْ تَحِيضَ الْجَارِيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ‏{‏فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ‏}‏ فَأَثْبَتَ الْوِلاَيَةَ عَلَى السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلاَءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لاَ غِنَى بِهِ عَنْهُ فِي مَالِهِ مَقَامَهُ، وَقِيلَ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَهُوَ أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ فَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ- جَلَّ وَعَزَّ- بِدَفْعِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إلَيْهِمْ بِأَمْرَيْنِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ إلَّا بِهِمَا وَهُوَ الْبُلُوغُ وَالرُّشْدُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالرُّشْدُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- الصَّلاَحُ فِي الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً مَعَ إصْلاَحِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلاَحُ الْمَالِ بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيُتْمَانُ وَالِاخْتِبَارُ يَخْتَلِفُ بِقَدْرِ حَالِ الْمُخْتَبِرِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَبْتَذِلُ فَيُخَالِطُ النَّاسَ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ فَيَقْرُبُ اخْتِبَارُهُ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَانُ عَنْ الْأَسْوَاقِ فَاخْتِبَارُهُ أَبْعَدُ فَيُخْتَبَرُ فِي نَفَقَتِهِ فَإِنْ أَحْسَنَ إنْفَاقَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَشِرَاءَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ فَإِذَا أَحْسَنَ تَدْبِيرَهُ وَتَوْفِيرَهُ، وَلَمْ يُخْدَعْ عَنْهُ دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ، وَاخْتِبَارُ الْمَرْأَةِ مَعَ عِلْمِ صَلاَحِهَا لِقِلَّةِ مُخَالَطَتُهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَبْعَدُ فَتَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ وَذَوُو الْمَحَارِمِ بِمِثْلِ مَا وَصَفْت فَإِذَا أُونِسَ مِنْهَا الرُّشْدُ دُفِعَ إلَيْهَا مَالُهَا تَزَوَّجَتْ أَمْ لَمْ تَتَزَوَّجْ كَمَا يُدْفَعُ إلَى الْغُلاَمِ نَكَحَ أَوْ لَمْ يَنْكِحْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي دَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا بِالْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَزْوِيجًا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَجْرِ بِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ رضي الله عنهم‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا أَنْ يَحْجُرَ عَلَى مَنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ، وَقَدْ عَقَلَ نَظَرًا لَهُ، وَإِبْقَاءً لِمَالِهِ فَكَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَشَدَّ تَضْيِيعًا لِمَالِهِ وَأَكْثَرَ إتْلاَفًا لَهُ فَلِمَ لاَ يَجِبُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أُمِرَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بِهِ فِيهِ قَائِمٌ‏.‏ وَإِذَا حَجَرَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ لِسَفَهِهِ، وَإِفْسَادِهِ مَالَهُ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ بَايَعَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ فَهُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ، وَمَتَى أَطْلَقَ عَنْهُ الْحَجْرَ ثُمَّ عَادَ إلَى حَالِ الْحَجْرِ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَمَتَى رَجَعَ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى حَالِ الْإِطْلاَقِ أَطْلَقَ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ أَجَزْت إطْلاَقَهُ عَنْهُ وَهُوَ إتْلاَفُ مَالٍ‏؟‏ قِيلَ لَيْسَ بِإِتْلاَفِ مَالٍ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَمُوتُ فَلاَ تُورَثُ عَنْهُ امْرَأَتُهُ، وَلاَ تَحِلُّ لَهُ فِيهَا هِبَةٌ، وَلاَ بَيْعُهُ، وَيُورَثُ عَنْهُ عَبْدُهُ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ، وَيَمْلِكُ ثَمَنَهُ فَالْعَبْدُ مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْذَنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالنِّكَاحِ فَيَكُونُ لَهُ الطَّلاَقُ وَالْإِمْسَاكُ دُونَ سَيِّدِهِ وَلِمَالِكِهِ أَخْذُ مَالِهِ كُلِّهِ دُونَهُ‏.‏

بَابُ الصُّلْحِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَمَا جَازَ فِي الْبَيْعِ جَازَ فِي الصُّلْحِ، وَمَا بَطَلَ فِيهِ بَطَلَ فِي الصُّلْحِ فَإِنْ صَالَحَ رَجُلٌ أَخَاهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَإِنْ عَرَفَا مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ جَازَ‏.‏ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَصَالَحَهُ مِنْ دَعْوَاهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا أَعْطَاهُ وَلَوْ صَالَحَ عَنْهُ رَجُلٌ يُقِرُّ عَنْهُ بِشَيْءٍ جَازَ الصُّلْحُ وَلَيْسَ لِلَّذِي أَعْطَى عَنْهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهِ‏.‏

وَلَوْ أَشْرَعَ جُنَاحًا عَلَى طَرِيقٍ نَافِذَةٍ فَصَالَحَهُ السُّلْطَانُ أَوْ رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَنُظِرَ فَإِنْ كَانَ لاَ يَضُرُّ تُرِكَ، وَإِنْ ضَرَّ قُطِعَ‏.‏

وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا فِي يَدَى رَجُلٍ فَقَالاَ وَرِثْنَاهَا عَنْ أَبِينَا فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ يَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنْ يَبْطُلَ الصُّلْحُ فِي حَقِّ أَخِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لِأَخِيهِ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَالَحَ بِأَمْرِهِ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهَا فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ وَجَحَدَ لِلْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ فِي ذَلِكَ حَقٌّ، وَكَانَ عَلَى خُصُومَتِهِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ الدَّارِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُقِرَّ لِلْآخَرِ بِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ فَلَهُ الْكُلُّ، وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ وَلِأَخِيهِ النِّصْفَ كَانَ لِأَخِيهِ أَنْ يَرْجِعَ بِالنِّصْفِ عَلَيْهِ‏.‏

وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى دَارٍ أَقَرَّ لَهُ بِهَا بِعَبْدٍ قَبَضَهُ فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ رَجَعَ إلَى الدَّارِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ‏.‏ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ وَقْتًا فَهِيَ عَارِيَّةٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ سَنَةً فَبَاعَهُ الْمَوْلَى كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَتَكُونَ الْخِدْمَةُ عَلَى الْعَبْدِ لِلْمُصَالِحِ أَوْ يَرُدَّ الْبَيْعَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ جَازَ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا اُسْتُخْدِمَ وَبَطَلَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ‏.‏

وَإِذَا تَدَاعَى رَجُلاَنِ جِدَارًا بَيْنَ دَارَيْهِمَا فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلاً بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ الَّذِي لاَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ إلَّا مِنْ أَوَّلِ الْبُنْيَانِ جَعَلْته لَهُ دُونَ الْمُنْقَطِعِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ بَعْدَ كَمَالِ بُنْيَانِهِ مِثْلَ نَزْعِ طُوبَةٍ، وَإِدْخَالِ أُخْرَى أَحَلَفْتهمَا بِاَللَّهِ وَجَعَلْته بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْصُولٍ بِوَاحِدٍ مِنْ بِنَائِهِمَا أَوْ مُتَّصِلاً بِبِنَائِهِمَا جَمِيعًا جَعَلْته بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ أُحَلِّفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلاَ أَنْظُرَ إلَى مَنْ إلَيْهِ الْخَوَارِجُ، وَلاَ الدَّوَاخِلُ، وَلاَ أَنْصَافُ اللَّبِنِ، وَلاَ مَعَاقِدُ الْقِمْطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا دَلاَلَةٌ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ، وَلاَ شَيْءَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ أَحَلَفْتَهُمَا وَأَقْرَرْتُ الْجُذُوعَ بِحَالِهَا وَجَعَلْت الْجِدَارَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَرْتَفِقُ بِجِدَارِ الرَّجُلِ بِالْجُذُوعِ بِأَمْرِهِ وَغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَمْ أَجْعَلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ كُوَّةً، وَلاَ يَبْنِي عَلَيْهِ بِنَاءً إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَقَسَمْته بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ إنْ كَانَ عَرْضُهُ ذِرَاعًا أُعْطِيهِ شِبْرًا فِي طُولِ الْجِدَارِ ثُمَّ قُلْت لَهُ إنْ شِئْت أَنْ تَزِيدَ مِنْ عَرْصَةِ دَارِك أَوْ بَيْتِك شِبْرًا آخَرَ لِيَكُونَ لَك جِدَارٌ خَالِصٌ فَذَلِكَ لَك‏.‏ وَلَوْ هَدَمَاهُ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا شَاءَ عَلَيْهِ إذَا بَنَاهُ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ، وَإِنْ شَاءَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَسَمْت أَرْضَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ السُّفْلُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ فِي يَدَيْ آخَرَ فَتَدَاعَيَا سَقْفَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ سَقْفَ السُّفْلِ تَابِعٌ لَهُ وَسَطْحَ الْعُلُوِّ أَرْضٌ لَهُ فَإِنْ سَقَطَ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ فَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِأَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَبْنِيَ عُلُوَّهُ كَمَا كَانَ فَذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ صَاحِبِ السُّفْلِ مِنْ سُكْنَاهُ وَنَقْضِ الْجُدْرَانِ لَهُ، وَمَتَى شَاءَ أَنْ يَهْدِمَهَا هَدَمَهَا وَكَذَلِكَ الشُّرَكَاءُ فِي نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ لاَ يُجْبَرُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْإِصْلاَحِ لِضَرَرٍ، وَلاَ غَيْرِهِ، وَلاَ يُمْنَعُ الْمَنْفَعَةَ فَإِنْ أَصْلَحَ غَيْرُهُ فَلَهُ عَيْنُ مَالِهِ مَتَى شَاءَ نَزَعَهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ عَلَى كِتَابِ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا أَفَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ مَالاً أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ فِي السُّفْلِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْتُ أَنَا‏:‏ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُتَطَوِّعٌ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُرَاضِيَهُ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ نَخْلَةٌ أَوْ شَجَرَةٌ فَاسْتَعْلَتْ وَانْتَشَرَتْ أَغْصَانُهَا عَلَى دَارِ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ قَطْعُ مَا شَرَعَ فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِنْ قَبَضَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ جَازَ فِيمَا قَبَضَ وَانْتَقَضَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ الْمُصَالِحُ الْقَابِضُ‏.‏

وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فِي دَارٍ فِي أَيْدِيهِمْ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَالْوَارِثُ الْمُقِرُّ مُتَطَوِّعٌ لاَ يَرْجِعُ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ‏.‏ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا فِي يَدَيْهِ فَاصْطَلَحَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا سَطْحُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَى جُدْرَانِهِ بِنَاءً مَعْلُومًا فَجَائِزٌ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْتُ أَنَا‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَقِيسُ عَلَى قَوْلِهِ فِي إبْطَالِهِ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلاً مَالاً عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي بِنَائِهِ حَقًّا فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدْرَانِهِ بِنَاءً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ اشْتَرَى عُلُوَّ بَيْتٍ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدْرَانِهِ، وَيَسْكُنَ عَلَى سَطْحِهِ أَجَزْت ذَلِكَ إذَا سَمَّيَا مُنْتَهَى الْبُنْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْأَرْضِ فِي احْتِمَالِ مَا يُبْنَى عَلَيْهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذَا عِنْدِي غَيْرُ مَنْعِهِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنْ يَقْتَسِمَا دَارًا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا السُّفْلُ وَلِلْآخِرِ الْعُلُوُّ حَتَّى يَكُونَ السُّفْلُ وَالْعُلُوُّ لِوَاحِدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ مَنَازِلُ سُفْلٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ فِي يَدَيْ آخَرَ فَتَدَاعَيَا الْعَرْصَةَ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ فِيهَا دَرَجٌ إلَى عُلُوِّهَا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ كَانَتْ مَعْقُودَةً أَوْ غَيْرَ مَعْقُودَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ مَمَرًّا، وَإِنْ انْتَفَعَ بِمَا تَحْتَهَا‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ زَرْعًا فِي أَرْضٍ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَرَاهِمَ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ زَرْعَهُ أَخْضَرَ مِمَّنْ يَقْصِلُهُ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ الزَّرْعَ أَخْضَرَ، وَلاَ يَجْبُرُ شَرِيكُهُ عَلَى أَنْ يَقْلَعَ مِنْهُ شَيْئًا‏.‏

بَابُ الْحَوَالَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ أَنَّ الْحَقَّ يَتَحَوَّلُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَيَبْرَأُ مِنْهُ الْمُحِيلُ فَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَبَدًا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ مُعْدِمًا غَرِمْته أَوْ لَمْ يَغْرَمْنَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ لِمَا صَبَرَ الْمُحْتَالُ عَلَى مَنْ أُحِيلَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ قَدْ تَحَوَّلَ عَنِّي فَصَارَ إلَى غَيْرَى فَلَمْ يَأْخُذْنِي بِمَا بَرِئْت مِنْهُ؛ لاََنْ أُفْلِسَ غَيْرِي أَوْ لاَ يَكُونُ حَقُّهُ تَحَوَّلَ عَنِّي فَلِمَ أَبْرَأَنِي مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِأَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ فِي الْحَوَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ يَرْجِعُ صَاحِبُهَا لاَ تَوًى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ عِنْدِي يَبْطُلُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَوْ صَحَّ مَا كَانَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي قَالَ ذَلِكَ فِي الْحَوَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ هَذِهِ مَسَائِلُ تَحَرَّيْتُ فِيهَا مَعَانِي جَوَابَاتِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَوَالَةِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا مِنْ ذَلِكَ‏:‏ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالْأَلْفِ عَلَى رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاحْتَالَ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ، وَإِنْ رَدَّ الْعَبْدَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْبَائِعُ مَا احْتَالَ بِهِ رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَكَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مِنْهُ بَرِيئًا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ وَفِي إبْطَالِ الْحَوَالَةِ نَظَرٌ‏.‏

قَالَ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَحَالَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ رَجُلاً لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَصَادَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي تَبَايَعَاهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ لاَ تُنْتَقَضُ؛ لِأَنَّهُمَا يُبْطِلاَنِ بِقَوْلِهِمَا حَقًّا لِغَيْرِهِمَا، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمُحْتَالُ أَوْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ انْتَقَضَتْ الْحَوَالَةُ‏.‏ وَلَوْ أَحَالَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَضَمِنَهَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُحِيلُ‏:‏ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهَا وَقَالَ الْمُحْتَالُ‏:‏ بَلْ أَنْتَ أَحَلْتنِي بِمَالِي عَلَيْك وَتَصَادَقَا عَلَى الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالُ مُدَّعٍ وَلَوْ قَالَ الْمُحْتَالُ أَحَلْتنِي عَلَيْهِ لِأَقْبِضَهُ لَك، وَلَمْ تُحِلْنِي بِمَالِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالْمُحِيلُ مُدَّعٍ لِلْبَرَاءَةِ مِمَّا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ‏.‏ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَحَالَهُ الْمَطْلُوبُ بِهَا عَلَى رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَحَالَهُ بِهَا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ عَلَى ثَالِثٍ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ بَرِئَ الْأَوَّلاَنِ، وَكَانَتْ لِلطَّالِبِ عَلَى الثَّالِثِ‏.‏

بَابُ الْكَفَالَةِ

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- ‏{‏قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ‏}‏ وَقَالَ- عَزَّ وَجَلَّ- ‏{‏سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ‏}‏ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ ‏{‏وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ‏}‏ وَالزَّعِيمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْكَفِيلُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ ‏{‏كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ فَلِمَا وُضِعَتْ قَالَ صلى الله عليه وسلم هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ فَقَالُوا نَعَمْ دِرْهَمَانِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَقَالَ عَلِيٌّ- رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ- هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَالَ جَزَاك اللَّهُ عَنْ الْإِسْلاَمِ خَيْرًا وَفَكَّ رِهَانَك كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيك‏}‏‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ لَزِمَ غَيْرَهُ بِأَنْ ضَمِنَهُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏{‏لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِثَلاَثَةٍ‏}‏ ذَكَرَ مِنْهَا رَجُلاً تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ الصَّدَقَةُ‏.‏ قُلْت أَنَا‏:‏ فَكَانَتْ الصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةً قَبْلَ الْحَمَالَةِ فَلَمَّا تَحَمَّلَ لَزِمَهُ الْغُرْمُ بِالْحَمَالَةِ فَخَرَجَ مِنْ مَعْنَاهُ الْأَوَّلِ إلَى أَنْ حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا ضَمِنَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ حَقًّا فَلِلْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ وَغَرِمَ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَطَوَّعَ بِالضَّمَانِ لَمْ يَرْجِعْ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْتُ أَنَا‏:‏ وَكَذَلِكَ كُلُّ ضَامِنٍ فِي دَيْنٍ وَكَفَالَةٍ بِدَيْنٍ وَأُجْرَةٍ، وَمَهْرٍ وَضَمَانِ عُهْدَةٍ وَأَرْشِ جُرْحٍ وَدِيَةِ نَفْسٍ فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ الضَّامِنُ عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا لاَ يَرْجِعُ بِهِ فَإِنْ أَخَذَ الضَّامِنُ بِالْحَقِّ وَكَانَ ضَمَانُهُ بِأَمْرِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِخَلاَصِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ‏.‏

وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَمْرِهِ ضَامِنٌ ثُمَّ ضَمِنَ عَنْ الضَّامِنِ ضَامِنٌ بِأَمْرِهِ فَجَائِزٌ فَإِنْ قَبَضَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْلُ الْمَالِ أَوْ أَحَالَهُ بِهِ بَرِئُوا جَمِيعًا وَلَوْ قَبَضَهُ مِنْ الضَّامِنِ الْأَوَّلِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَبَرِئَ مِنْهُ الضَّامِنُ الْآخَرُ، وَإِنْ قَبَضَهُ مِنْ الضَّامِنِ الثَّانِي رَجَعَ بِهِ عَلَى الضَّامِنِ الْأَوَّلِ وَرَجَعَ بِهِ الْأَوَّلُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَبْرَأَ الطَّالِبُ الضَّامِنَيْنِ جَمِيعًا بَرِئَا، وَلاَ يَبْرَأُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِحَوَالَةٍ وَلَكِنَّ الْحَقَّ عَلَى أَصْلِهِ وَالضَّامِنُ مَأْخُوذٌ بِهِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا‏:‏ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ فَدَفَعَهَا أَحَدُهُمَا رَجَعَ نِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا مِنْ الْأَلْفِ سَقَطَ عَنْهُ نِصْفُهَا الَّذِي عَلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِ نِصْفِهَا الَّذِي عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَمْ يَبْرَأْ صَاحِبُهَا مِنْ نِصْفِهَا الَّذِي عَلَيْهِ‏.‏ وَلَوْ أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَمِنْ رَجُلٍ غَائِبٍ عَبْدًا وَقَبَضَاهُ مِنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ لِذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ قَضَى عَلَيْهِ وَعَلَى الْغَائِبِ بِذَلِكَ وَغَرِمَ الْحَاضِرُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَرَجَعَ بِالنِّصْفِ عَلَى الْغَائِبِ‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْتُ أَنَا‏:‏ وَهَذَا مِمَّا يُجَامِعُنَا عَلَيْهِ مَنْ أَنْكَرَ الْقَضَاءَ عَلَى غَائِبٍ‏.‏

وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ فَدَفَعَهَا بِمَحْضَرِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ الطَّالِبُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ شَيْئًا حَلَفَ وَبَرِئَ وَقَضَى عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِدَفْعِ الْأَلْفِ إلَى الطَّالِبِ، وَيَدْفَعُ أَلْفًا إلَى الضَّامِنِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِأَمْرِهِ وَصَارَتْ لَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ فَلاَ يُذْهِبُ حَقَّهُ ظُلْمُ الطَّالِبِ لَهُ وَلَوْ أَنَّ الطَّالِبَ طَلَبَ الضَّامِنَ فَقَالَ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِدَفْعِهَا ثَانِيَةً، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِالْأَلْفِ الَّتِي ضَمِنَهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّ الثَّانِيَةَ ظُلْمٌ مِنْ الطَّالِبِ لَهُ فَلاَ يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ وَلَوْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مَا قَضَى بِهِ لَهُ عَلَى آخَرَ أَوْ مَا شَهِدَ بِهِ فُلاَنٌ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ يَجُوزُ هَذَا، وَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ ضَمِنَ دَيْنَ مَيِّتٍ بَعْدَمَا يَعْرِفُهُ، وَيَعْرِفُ لِمَنْ هُوَ فَالضَّمَانُ لاَزِمٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْهُ‏.‏

وَلاَ تَجُوزُ كَفَالَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِهْلاَكٌ، وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ مُكَاتَبٍ أَوْ مَالاً فِي يَدَيْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَارِضٍ وَضَمِنَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ فَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَاطِلٌ وَضَمَانُ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ، وَلاَ يَجُوزُ ضَمَانُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَلاَ مَجْنُونٌ، وَلاَ مُبَرْسَمٌ يَهْذِي، وَلاَ مُغْمًى عَلَيْهِ، وَلاَ أَخْرَسُ لاَ يَعْقِلُ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ وَالْكِتَابَ فَضَمِنَ لَزِمَهُ وَضَعَّفَ الشَّافِعِيُّ كَفَالَةَ الْوَجْهِ فِي مَوْضِعٍ وَأَجَازَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا فِي الْحُدُودِ‏.‏

بَابُ الشَّرِكَةِ

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ الشَّرِكَةُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا الْغَنِيمَةُ أَزَالَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مِلْكَ الْمُشْرِكِينَ عَنْ خَيْبَرَ فَمَلَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنُونَ وَكَانُوا فِيهِ شُرَكَاءَ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا خُمُسَ اللَّهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِأَهْلِهِ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِأَهْلِهَا‏.‏

قَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قَسْمِ الْأَمْوَالِ وَالضَّرْبِ عَلَيْهَا بِالسِّهَامِ، وَمِنْهَا الْمَوَارِيثُ، وَمِنْهَا الشَّرِكَةُ فِي الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ فِي قَوْلِهِ، وَمِنْهَا التِّجَارَاتُ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقَسْمُ إذَا كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ وَطَلَبَهُ الشَّرِيكُ، وَمِنْهَا الشَّرِكَةُ فِي الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْلِهِ، وَهِيَ الْأَحْبَاسُ، وَلاَ وَجْهَ لِقَسْمِهَا فِي رِقَابِهَا لِارْتِفَاعِ الْمِلْكِ عَنْهَا فَإِنْ تَرَاضَوْا مِنْ السُّكْنَى سَنَةً بِسَنَةٍ فَلاَ بَأْسَ وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي الْعَرَضِ، وَلاَ فِيمَا يَرْجِعُ فِي حَالِ الْمُفَاضَلَةِ إلَى الْقِيمَةِ لِتَغَيُّرِ الْقِيَمِ، وَلاَ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا عَرْضًا وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ، وَلاَ تَجُوزُ إلَّا بِمَالٍ وَاحِدٍ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَشْتَرِكَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُمَا إلَّا عَرَضٌ فَإِنَّ الْمَخْرَجَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ عَرَضِهِ بِنِصْفِ عَرَضِ صَاحِبِهِ، وَيَتَقَابَضَانِ فَيَصِيرُ جَمِيعُ الْعَرْضَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَيَكُونَانِ فِيهِ شَرِيكَيْنِ إنْ بَاعَا أَوْ حَبَسَا أَوْ عَارَضَا لاَ فَضْلَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لاَ تَجُوزُ بِحَالٍ، وَالشَّرِكَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَنَانِيرَ مِثْلَ دَنَانِيرِ صَاحِبِهِ، وَيَخْلِطَاهُمَا فَيَكُونَانِ فِيهَا شَرِيكَيْنِ فَإِنْ اشْتَرَيَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا رَأَى مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ قَامَ فِي ذَلِكَ مَقَامَ صَاحِبِهِ فَمَا رَبِحَا أَوْ خَسِرَا فَلَهُمَا وَعَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَمَتَى فَسَخَ أَحَدُهُمَا الشَّرِكَةَ انْفَسَخَتْ، وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ، وَلاَ يَبِيعَ حَتَّى يَقْسِمَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ، وَقَاسَمَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ شَرِيكَهُ فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ بَالِغًا رَشِيدًا فَأُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ عَلَى مِثْلِ شَرِكَتِهِ كَأَبِيهِ فَجَائِزٌ، وَلَوْ اشْتَرَيَا عَبْدًا وَقَبَضَاهُ فَأَصَابَا بِهِ عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَعْقُولاً أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اشْتَرَى نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَانَ مَا اشْتَرَى لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَجَازَهُ شَرِيكُهُ مَا جَازَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ‏.‏ وَأَيُّهُمَا ادَّعَى فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا شَيْئًا فَهُوَ مُدَّعٍ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى صَاحِبِهِ الْيَمِينُ وَأَيُّهُمَا ادَّعَى خِيَانَةَ صَاحِبِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَأَيُّهُمَا زَعَمَ أَنَّ الْمَالَ قَدْ تَلِفَ فَهُوَ أَمِينٌ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْبَائِعُ وَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُقِرِّ، وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيُسَلِّمُ لَهُ، وَيَحْلِفُ لِشَرِيكِهِ مَا قَبَضَ مَا ادَّعَى فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ صَاحِبُهُ وَاسْتَحَقَّ الدَّعْوَى، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ الَّذِي بَاعَ هُوَ الَّذِي أَقَرَّ بِأَنَّ شَرِيكَهُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ قَبَضَ مِنْ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ قَبَضَ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ أَمِينٌ، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالنِّصْفِ الْبَاقِي فَيُشَارِكُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُصَدَّقُ عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الشَّرِكَةِ تُسَلَّمُ إلَيْهِ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي أَنْ لاَ يَضْمَنَ شَيْئًا لِصَاحِبِهِ فَأَمَّا أَنَّهُ يَكُونُ فِي يَدَيْهِ بَعْضُ مَالٍ بَيْنَهُمَا فَيَدَّعِي عَلَى شَرِيكِهِ مُقَاسَمَةً يَمْلِكُ بِهَا هَذَا الْبَعْضَ خَاصَّةً فَلاَ يَجُوزُ، وَيَحْلِفُ لِشَرِيكِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ شَرِيكُهُ وَاسْتَحَقَّ دَعْوَاهُ‏.‏ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَصَبَ رَجُلٌ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ إنَّ الْغَاصِبَ وَالشَّرِيكَ الْآخَرَ بَاعَا الْعَبْدَ مِنْ رَجُلٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْبَائِعِ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَغْصُوبُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ فِي مَعْنَى الشَّافِعِيِّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏